الثاني، والملزوم هو اللازم، وهذا لا فائدة فيه، فإنه يكون تقدير الكلام: لو قامت به الحوادث، لقامت به الحوادث، وهذا كلام لا يفيد، وإن أردتم بالتغير معنى غير ذلك، فهو ممنوع، فلا نُسَلِّم أنها لو قامت به لزم تغير غيرُ حلول الحوادث، فهذا جوابهم.

وإيضاح ذلك أن لفظ التغير لفظ مجملٌ، فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، فإن الناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب إذا تحركت: إنها قد تغيرت، ولا يقولون للإنسان إذا تكلم ومشى، أنه تغير، ولا يقولون إذا طاف، وصلى، وأمر ونهى، وركب: إنه تغير إذا كان ذلك عادته، بل إنما يقولون: تغير لمن استحال من صفة إلى صفة، كالشمس إذا زال نورها ظاهرًا، لا يقال: إنها تغيرت، فإذا اصفرّت قيل تغيرت، وكذلك الإنسان إذا مرض، أو تغير جسمه بجوع أو تعب، قيل: قد تغير، وكذلك إذا تغير خلقه ودينه، مثل أن يكون فاجرًا، فينقلب، ويصير بَرًّا، أو يكون بَرًّا، فينقلب فاجرًا، فإنه يقال: قد تغير، وفي الحديث: رأيت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُتغيرًا، لما رأى منه أثر الجوع، ولم يزل يراه يوكع ويسجد، فلم يسَمِّ حركته تغيرًا، وكذلك يقال: فلان قد تغير على فلان إذا صار يبغضه بعد المحبة، فإذا كان ثابتًا على مودته، لم يُسَمَّ هشته إليه، وخطابه له تغيرًا، وإذا جرى على عادته في أقواله، وأفعاله، فلا يقال: إنه قد تغير، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، ومعلوم أنهم إذا كانوا على عادتهم الموجودة، يقولون ويفعلون ما هو خير، لم يكونوا قد غيروا ما بأنفسهم، فإذا انتقلوا عن ذلك، فاستبدلوا بقصد الخير قصد الشر، وباعتقاد الحق اعتقاد الباطل، قيل: قد غيروا ما بأنفسهم، مثل من كان يحب الله ورسوله والدار الآخرة، فتغير قلبه، وصار لا يحب الله ورسوله والدار الآخرة، فهذا قد غير ما في نفسه، وإذا كان هذا معنى التغير، فالرب تعالى لم يزل ولا يزال موصوفًا بصفات الكمال، منعوتًا بنعوت الجلال والإكرام، وكماله من لوازم ذاته، فيمتنع أن يزول عنه شيء من صفات كماله، ويمتنع أن يصير ناقصًا بعد كماله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015