المحرّمات، فأين ذكر ما أحلّه -صلى الله عليه وسلم-.
[قلت]: الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما خصّه الدليل؛ لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا في الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29]. فخُصّ منها أشياء بنصّ التنزيل، وبقي ما عداها في معرض التحليل، فخصّ منها بنصّ الحديث بعضٌ، فبقي سائرها على أصل الإباحة، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- نصّ على تحليلها، فلا يزيد، ولا ينقص. انتهى كلام الطيبيّ (?).
5 - (ومنها): قد تكرّرت كلمة التنبيه في هذا الحديث -يعني في رواية أبي داود- (?) ففيه توبيخٌ وتقريعٌ، نشأ من غضب عظيم على من ترك السنّة، والعمل بالحديث؛ استغناءً عنها بالكتاب، هذا مع الكتاب، فكيف بمن رجّح الرأي على الحديث؟ وإذا سمع حديثًا من الأحاديث الصحيحة قال: لا عليّ بأن أعمل بها، فإن لي مذهبًا أتّبعه. قاله الطيبيّ.
وقد أشرت إلى هذا المعنى في "ألفيّة العلل" حيث قلت:
وَبَعْضُهُم بُلِيَ بِالتَّعَصُّبِ ... لمَذْهَبِ مُعَيَّنٍ وَاعَجَبِي
أَعْرَضَ كُلًّا عَنْ حَدِيثِ المُصْطَفَى ... إِلَّا إِذَا مَذْهَبَهُ قَدْ حَالَفَا
فَإِنْ تَقُلْ قَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ ... هَذَا الحدِيثَ قَالَ ذَا بُهْتَانِ
إِمَامُنَا أَحَقُّ أَنْ نَتَّبِعَهْ ... إِذْ هُوَ أَعْلَمُ فَقُلْ مَا أَشْنَعَهْ