وَهَكَذَا ابْتُليَ أَهْلُ الأَثَر ... بِمِثْلِ هَؤُلاَءِ عُمْي النَّظَرِ
جَهَلَةٍ مُخَالِفِي الأَئِمَّةِ ... في هَدْيِهِمْ وَنُصْحِهِمْ لِلأُمَّةِ
فَإِنَّهُمْ أَوْصَوْا بِتَقْدِيمِ الأَثَرْ ... عَلَى كَلاَمِهِمْ فَنِعْمَ ذَا الأَثَرْ
ولقد أجاد الأمير الصنعانيّ رحمه الله تعالى في قصيدته التي مدح فيها أهل الحديث، وذمّ التلقيد والإعراض عن الحديث، متمسّكًا ببعض المذاهب، فقال:
سَلاَمٌ عَلَى أَهْلِ الحدِيثِ فَإِنَّنِي ... نَشَأْتُ عَلَى حُبِّ الأَحَادِيثِ مِنْ مَهْدِي
هُمُ بَذَلُوا في حِفْظِ سُنَّةِ أَحْمَدِ ... وَتَنْقِيحِهَا مِنْ جُهْدِهِمْ غَايَةَ الجهْدِ
وَأَعْنِي بِهِمْ أَسْلاَفَ أُمَّةِ أَحْمَدِ ... أُولَئِكَ في بَيْتِ الْقَصِيدِ هُمُ قَصْدِي
أُولَئِكَ أَمْثَالُ الْبُخَارِي وَمُسْلِمِ ... وَأَحْمَدَ أَهْلِ الْجدِّ في الْعِلْمِ وَالجدِّ
بُحُورٌ وَحَاشَاهُمْ عَنِ الجزْرِ إِنَّمَا ... لهُمْ مَدَدٌ يَأْتِي مِنَ الله بِالْمدِّ
رَوَوْا وَارْتَوَوْا مِنْ بَحْرِ عِلْمِ مُحَمَّدٍ ... وَلَيْسَ لهُمْ تِلْكَ المذَاهِبُ مِنْ وِرْدِ
كَفَاهُمْ كتَابُ الله وَالسُّنَّةُ الَّتِي ... كَفَتْ قَبْلَهُمْ صَحْبَ الرَّسُولِ ذَوِي المجْدِ
أَأَنْتُمُ أَهْدَى أَمْ صَحَابَةُ أَحْمَدِ ... وَأَهْلُ الْكِسَا هَيْهَاتَ مَا الشَّوْكُ كَالْوَرْدِ
أُولَئِكَ أَهْدَى في الطَّرِيقَةِ مِنْكُمُ ... نَعَمْ قُدْوَتِي حَتَّى أُوَسَّدَ في لحدِي
وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ المُقَلِّدِ وَالُهدَى ... وَمَنْ يَقْتَدِي وَالضِّدُّ يُعْرَفُ بِالضِّدِّ
فَمَنْ قَلَّدَ النُّعمانَ أَصْبَحَ شَارِبًا ... نَبِيذًا وَفِيهِ الْقَول لِلْبَعْضِ بِالحدِّ
وَمَنْ يَقْتَدِي أَضْحَى إِمَامَ مَعَارِفٍ ... وَكَانَ أُوَيْسًا في الْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ
فَمُقْتَدِيًا في الحقِّ كُنْ لاَ مُقَلِّدًا ... وَخَلِّ أَخَا التَّقْلِيدِ في الأَسْرِ بِالْقِدّ
وَأَقْبَحُ مِنْ كُلِّ ابْتِدَاع سَمِعْتُهُ ... وَأَنْكَاهُ لِلْقَلْبِ المُوَفَّقِ لِلرُّشدِ
مَذَاهِبُ مَنْ رَامَ الخلاَفَ لِبَعْضِهَا ... يُعَضُّ بِأَنيَابِ الأَسَاوِدِ وَالأُسْدِ
يُصَبُّ عَلَيْهِ سَوْطُ ذَمٍّ وَغِيبَة ... وَيَجْفُوهُ مَنْ قَدْ كَانَ يَهْوَاهُ عَنْ عَمْدِ
وَيُعْزَى إِلَيْهِ كُلُّ مَا لاَ يَقُولُهُ ... لِتَنْصِيصِهِ عِنْدَ التِّهَامِيِّ وَالنَّجْدِي