وذكر في "الكاشف" عن بعضهم في معنى "سبحات وجهه" أما الأنوار الّتي إذا رآها الراءون من الملائكة سبّحو، وهلّلوا؛ لما يروعهم من جلال الله وعظمته، انتهى.

(مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ) المراد جميعُ المخلوقات؛ لأن بصره -سبحانه وتعالى- بجميع الكائنات، ولفظة "من" لبيان الجنس، لا للتبعيض، والتقدير لو أزال المانع من رؤيته، وهو الحجاب المسمى نورًا أو نارًا وتَجَلَّى لخلقه لأحرق جلال وجهه جميع مخلوقاته.

قال الطيبيّ: وذهب المظهر وغيره إلى أن الضمير في "بصره" إلى الخلق، و"ما" في "ما انتهى" بمعنى "من" و"من خلقه" بيان له، والأول هو الوجه يعني أن رجوع ضمير "بصره" إلى الله تعالى هو المعنى الصّحيح-.

[فائدة]: ذكر الطيبيّ رحمه الله هنا وجوهًا متعلّقة بلطائف المعاني، والمحسّنات البديعيّة، أحببت إيرادها مع التعقيب على ما يحتاج إليه:

[أحدها]: أن قوله: "لا ينبغي له أن ينام" جملة معترضة، واردة على التتميم؛ صونًا للكلام عن المكروه، فإن قوله: "لا ينام" لا ينفي جواز النوم، كما قال الأشرف، فعقّب به لدفع ذلك التجويز، قال أبو الطيّب [من الطَّويل]:

وَتَحْتَقِرُ الدُّنْيَا احْتِقَارَ مُجَرِّبٍ ... تَرَى كُلَّ مَا فِيهَا وَحَاشَاكَ فَانِيَا

فإن "حاشاك" تتميم في غاية الحسن، ومعنى "لا ينبغي" لا يصحّ، ولا يستقيم النوم؛ لأنه مناف لحال ربّ العالمين.

[وثانيها]: "يخفض، ويرفع، وعمل اللّيل، وعمل النهار" من باب التضادّ، والمطابقة، والخفض، والرفع في القرينتين مستعارتان للمعاني من الأعيان.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "مستعارتان إلخ" غير صحيح؛ لأن الاستعارة من المجاز، فهو يريد أن لا يثبت صفة الخفض والرفع لله تعالى على ظاهرها، وقد سبق أن نبهنا على مثل هذا، فالحق أنها ثابتة له، ولا حاجة إلى المجاز؛ لأنه لا يصار إليه إِلَّا عند تعذّر الحقيقة، وهنا لم يتعذّر، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوّر بتقليد ذوي الاعتساف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015