[وثالثهما]: "لو كشفه" من الشرط والجزاء، استئنافيّة، مبيّنة للكلام السابق، كأنه لما قيل: إن حجابه النور، وعُرِّف الخبر المفيد للتخصيص اتّجه للسائل أن يقول: لم خصّ الحجاب بالنور؟ أجيب بأنه لو كان من غيره لاحترق.
قال الجامع: هذه الفائدةُ غير واضحة، والله تعالى أعلم.
[ورابعها]: الجملة الفعلية في النَّفْي والإثبات كلها واردة على صيغة المضارع؛ لإرادة الاستمرار، فالمنفيان فيها يدلُّان على الدوام من غير انقطاع، والأربع المثبتة على التجدد مع الاستمرار، وأما الجملة الأسميّة فدلالتها على سبيل الثبات والدوام في هذا العالم، والشرطيّة منبئة عن ذلك؛ لما دلّت على أنها مخالفة للنور المتعارف.
قال: وفيه دليل على أن نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- رأى ربّه تعالى لقوله في الدُّعاء: "اللَّهُمَّ اجعل في قلبي نورًا، وفي بصري نورًا".
قال الجامع: مسألة رؤية النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء مختلف فيها، وجمهور السلف على نفيها، للحديث الصّحيح: "نور أنى أراه"، وغيره، وسنحققها في محلّ مناسب لها -إن شاء الله تعالى- وأما استدلال الطيبيّ عليها بالحديث المذكور، ففيه نظر لا يخفى، فتأمل. والله تعالى أعلم.
قال: وأما المؤمنون إذا صفت بشريّتهم عن الكدورات في دار الثّواب، فيُرزقون هذه المنحة السنيّة، والرتبة العلّيّة.
[وخامسها]: أن معنى الحديث بأسره مسبوك من معنى آية الكرسيّ، فإن قوله -سبحانه وتعالى-: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا في الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ} [البقرة: 255] مشعر بصفة الإكرام، ومنه إلى الخاتمة مشير إلى صفة الجلال؛ لما فيه من المنع عن الشفاعة إِلَّا بإذنه، ومن ذكر الكرسيّ الّذي هو سرير الملك، وهو مناسب لحديث الحجاب، وكذلك الحديث إلى قوله: "حجابه النور" منبىء عن صفة الإكرام، ومنه إلى آخره عن صفة الجلال، فتكون صفة الجلال محتجبةً بصفة الإكرام، فلو كشف حجاب الإكرام لتلاشت الأشياء، وتفنى