راجع إلى منع الأبصار من الإصابة بالرؤية له بما ذكر، فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل، فعبّر به عنه، ورُوي "حجابه النور، أو النّار".
وقد تبيّن من أحاديث الرِّواية (?) وتوفيقات (?) الكتاب على التجلّيات الإلهيّة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي الّتي نحن بصددها في هذه الدَّار المستعدّة المعدّة للفناء، دون الّذي وُعدنا بها في دار البقاء، والحجاب المذكور في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق؛ لأنهم المحجوبون عنه انتهى (?).
(لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ) "السُّبُحَاتُ" بضم السين والباء، ورفع التاء في آخره، وهي جمع سُبْحَةٍ، كغُرْفة وغُرُفات، قال صاحب "العين"، والْهَرَويّ، وجميعُ الشارحين للحديث، من اللغويين والمحدثين: معنى "سُبُحَات وجهه" نورُهُ، وجلاله، وبهاؤه، والمراد بالوجه الذات. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا ذكر النووي أن المراد بالوجه الذات، وهذا منه مصير إلى نفي صفة الوجه، وهو غير صحيح، بل الوجه صفة ثابتة لله تعالى، كما أثبتها لنفسه في كتابه، حيث قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، وحيث أثبته هذا الحديث الصّحيح، وغيره من الأحاديث الصحيحة، ولا يلزم من إثباتنا له تشبيهه بخلقه، فأيّ فرق بين إثباتنا له الذات، وبين إثباتنا له الوجه، فإن كان يلزم من الوجه التشبيه لزم من الذات أيضًا، لكن نقول: له ذات لا تشبه الذوات، ووجه لا يشبه الوجوه، وبصرٌ لا يشبه الأبصار، ويدٌ لا تشبه الأيدي، وغير ذلك من صفات الكمال، وهذا هو مذهب السلف، وهو الصراط المستقيم، فعليك بلزومه إن أردت الهدى والعزّ المستديم، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.