وذكر القاري رحمه الله في "شرح المشكاة": ما معناه: وهو بيان لمسارعة الملائكة الموكّلين برفع أعمال النهار بعد العصر، واللّيل بعد الصُّبح، وأنهم يقطعون في هذا الزمن القليل تلك المسافة الطويلة الّتي تزيد على سبعة آلاف سنة على ما رُوي أن مسيرة ما بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة، وما بين كلّ سماءين كذلك، وسَمْكُ كلّ سماء كذلك، وتقدير "رَفْع" في الأوّل، و"رَفْع" أو "فِعْل" في الثّاني هو الّذي دلّ عليه الحديث الآخر: إن أعمال النهار ترفع بعد صلاة العصر، وأعمال اللّيل تُرفع بعد صلاة الصُّبح، فلا يقع رفع عمل اللّيل إِلَّا بعد فعلٍ من عمل النهار، وأما رفع عمل النهار فيقع قبل فِعْلِ أو رَفعِ شيء من عمل اللّيل؛ لأن بين ابتداء رفعها وعمل اللّيل فاصلًا يسع ذلك بالنسبة إلى القدرة الباهرة.

فالحاصل أن قوله: "قبل عمل النهار" يتعيّن فيه تقدير "رَفْع"، ولا يصحّ تقدير "فِعل" فيه، وقوله: قبل عمل اللّيل" يصحّ فيه كلٌّ منهما، وتقدير الفعل أبلغ؛ لأن الزمن أقصر، فتأمل ذلك لتعلم فساد ما أطلقه بعض الشارحين. انتهى (?).

(حِجَابُهُ النُّورُ) قال النوويّ في "شرحه": أصل الحجاب في اللُّغة المنع والسَّتْرُ، وحقيقة الحجاب إنّما تكون للأجسام المحدودة، والله تعالى مُنَزَّه عن الجسم والحد، والمراد هنا المانع من رؤيته، وسُمِّي ذلك المانع نورًا أو نارًا؛ لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة؛ لشعاعهما. انتهى (?).

وقال التوربشتيّ: أشار بذلك إلى أن حجابه خلاف الحُجُب المعهودة، فهو محتجبٌ عن الخلق بأنوار عزّه وجلاله، وأشعّة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الّذي تُدهَش دونه العقول، وتذهب الأبصار، وتتحيّر البصائر، ولو كُشف ذلك الحجاب، فتجلّى لما وراءه من حقائق الصفات، وعظمة الذات لم يَبقَ مخلوق إِلَّا احترق، ولا مفطور إِلَّا اضمحلّ، وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئيّ، وهو هنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015