قال الطيبيّ: المعنى الأوّل للقسط هو الأولى، لما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "يرفع الميزان ويخفضه". انتهى (?).

(يُرْفَعُ) بالبناء للمفعول (إِلَيْهِ) أي للعرض عليه، فالرفع على ظاهره، وقيل: معنى الرفع إليه الرفع إلى خزائنه، كما يقال: حُمل المال إلى الملك، فيُضبط إلى يوم الجزاء، ويُعرض عليه، وإن كان هو -سبحانه وتعالى- أعلم به، ليأمر ملاتكته بإمضاء ما قضى لفاعله جزاءً له على فعله (عَمَلُ اللَّيْلِ) أي المعمول فيه (قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ) أي قبل أن يؤتى بعمل النهار، وهو بيان لمسارعة الكرام الكتبة إلى رفع الأعمال، وسرعة عروجهم إلى ما فوق السماوات، وعرضهم على الله تعالى، فإن الفاصل بين اللّيل والنهار آنٌ لا يتجزأ، وهو آخر اللّيل، وأول النهار، وقيل: قبل أن يُرفع إليه عمل النهار، والأول أبلغ، قاله التوربشتيّ، وقيل: الثّاني أبلغ؛ لأنه في بيان عظيم شأن الله تعالى، وقوّة عباده المكرمين، وحسن قيامهم بما أُمروا، ولأن لفظ العمل مصدر، فكأنه قال: يُرفع إليه عمل اللّيل، أي المعمول في اللّيل قبل عمل النهار، فلا حاجة إلى تقدير لفظ الشروع، كاحتياجه إلى إلى تقدير الرفع في المعنى الأوّل.

(وَعَمَلُ النَّهَارِ) بالرفع عطفًا على "عملُ اللّيل" (قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ) وفي رواية لمسلم: "يُرفَع إليه عملُ النهار باللّيل، وعمل اللّيل بالنهار".

فمعنى الأوّل - والله أعلم - يُرفَع إليه عمل اللّيل قبل عمل النهار الّذي بعده، وعمل النهار قبل عمل اللّيل الّذي بعده.

ومعنى الرِّواية الثّانية: يُرفع إليه عمل النهار في أول اللّيل الّذي بعده، ويرفع إليه عمل اللّيل في أول النهار الّذي بعده، فإن الملائكة الحفظة يَصْعَدون بأعمال اللّيل بعد انقضائه في أول النهار، ويَصعَدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول اللّيل. هكذا أفاده في شرح النووي على "صحيح مسلم".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015