خلقهم بالتوسيع علمهم من الرزق وغيره، ثمّ يقع بهم العذاب على كفرهم، وأما ما أشكل من أمر من يُعذّب من الموحدين، فالرّحمة سابقةٌ في حقّهم أيضًا، ولولا وجودها لخُلّدوا أبدًا.

وقال الطيبيّ: في سبق الرّحمة إشارة إلى أن قسط الخلق منها أكثر من قسطهم من الغضب، وأنها تنالهم من غير استحقاق، وأن الغضب لا ينالهم إِلَّا باستحقاق، فالرّحمة تشمل الشخص جَنِينًا ورضيعًا وفَطِيمًا وناشئًا قبل أن يصدر منه شيء من الطّاعة، ولا يلحقه الغضب إِلَّا بعد أن يصدر عنه من الذنوب ما يستحقّ معه ذلك. انتهى (?).

وقال السنديّ. قوله: "كتب على نفسه" يدلّ على أنه ساق هذا الكلام على أنه وَعَدَ بأنه سيُعامل بالرّحمة ما لا يُعامل بالغضب، لا أنه إخبار عن صفة الرّحمة والغضب بأن الأُولى دون الثّانية؛ لأن صفاته كلها كاملة عظيمة، ولأن ما فَعَلَ من آثار الأولى فيما سبق أكثر ممّا فَعَل من آثار الثّانية.

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قرّر السنديّ، لكن فيه ما المانع من كون الأولى دون الثّانية، كما دلّ عليه ظاهر السياق، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

قال: ولا يُشكل هذا الحديث بما جاء أن الواحد من الألف يدخل الجنَّة، والبقيّة النّار.

إِمّا لأنه يعامل بمقتضى الرّحمة ولا يعامل بمقتضى الغضب، كما قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام: 160]، وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} الآية [البقرة: 261]، وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].

وإِما لأن مظاهر الرّحمة أكثر من مظاهر الغضب، فإن الملائكة كلهم مظاهر الرّحمة، وهم أكثر خلق الله، وكذا ما خلق الله في الجنَّة من الحور والوالدان وغير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015