الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]، فإذا أثبت النصّ الحجاب له بقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: "حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره"، وكذا قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: "رداء الكبرياء"، فنحن نثبت ذلك له على ما يليق بجلاله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولا نشبّه، ولا نمثّل، ولا نكيّف، ولا نعطل، بل نقول: يثبت له ما أثبته لنفسه، على حقيقته، كما يليق بجلاله، ولا نقول: إنّه مجاز، ولا استعارة، فتبصّر بالإنصاف، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
ونقل الطيبي في شرح حديث أبي موسى عند مسلم: "حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سُبُحَات وجهه ما أدركه بصره": أن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة، فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله، وأشعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الّذي تُدْهَشُ دونه العقول، وتُبْهَتُ الأبصار، وتتحير البصائر، فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات، وعظمة الذات، لم يبق مخلوق إِلَّا احترق، ولا منظور إِلَّا اضْمَحَلّ، وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي، والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذُكِر، فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل، فعَبَّر به عنه، وقد ظهر من نصوص الكتاب والسُّنَّة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء، دون دار الآخرة المعدة للبقاء، والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق؛ لأنهم هم المحجوبون عنه.
وقال النوويّ: أصل الحجاب المنع من الرؤية، والحجاب في حقيقة اللُّغة الستر، وإنّما يكون في الأجسام، والله سبحانه مُنَزَّه عن ذلك، فعُرِف أن المراد المنع من رؤيته، وذَكَر النور؛ لأنه يمنع من الإدراك في العادة لشعاعه، والمراد بالوجه الذات، وبما انتهى إليه بصره جميع المخلوقات؛ لأنه سبحانه محيط بجميع الكائنات. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الّذي قاله النوويّ من جنس ما قاله العلائيّ فيما سبق من كلامه، والجواب عنه هو الجواب عنه، وإياك أن تغترّ بمثله، فإنّه خلاف منهج السلف، فإنهم لا يؤولون مثل هذا الحديث، بل يُثبتونه على ظاهره، كما يليق