إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15].

وقال الحافظ صلاح الدين العلائي في شرح قوله في قصة معاذ -رضي الله عنه-: "واتّقِ دعوة المظلوم، فإنّه ليس بينها وبين الله حجاب": المراد بالحاجب والحجاب نفيُ المانع من الرؤية، كما نَفَى عدم إجابة دعاء المظلوم، ثمّ استعار الحجاب للردّ، فكان نفيه دليلًا على ثبوت الإجابة، والتعبير بنفي الحجاب أبلغ بالقبول، لأن الحجاب من شأانه المنع من الوصول إلى المقصود، فاستعير نفيه لعدم المنع، ويتخرج كثير من أحاديث الصفات على الاستعارة التخييلية، وهي أن يشترك شيئان في وصف، ثمّ يعتمد لوازم أحدهما حيث تكون جهة الاشتراك وصفًا، فيثبت كماله في المستعار بواسطة شيء آخر، فيثبت ذلك للمستعار مبالغة في إثبات المشترك، قال: وبالحمل على هذه الاستعارة التخييلية يحصل التخلص من مهاوي التجسيم، قال: ويحتمل أن يراد بالحجاب استعارةُ محسوسٍ لمعقولٍ؛ لأن الحجاب حسيّ، والمنع عقليّ، قال: وقد ورد ذِكْرُ الحجاب في عدة أحاديث صحيحة، والله -عَزَّ وَجَلَّ- مُنْزّه عما يحجبه, إذ الحجاب إنّما يحيط بمقدر محسوس، ولكن المراد بحجابه منعه أبصار خلقه، وبصائرهم بما شاء، متى شاء، كيف شاء، وإذا شاء كشف ذلك عنهم، ويؤيده قوله في الحديث الّذي بعده: "وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إِلَّا رداء الكبرياء على وجهه"، فإن ظاهره ليس مرادًا قطعًا، فهي استعارة جزمًا، وقد يكون المراد بالحجاب في بعض الأحاديث الحجاب الحسيّ، لكنه بالنسبة للمخلوقين، والعلم عند الله تعالى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا نقل في "الفتح" كلام العلائيّ، وأقرّه، وهو عجيبٌ، فإن هذه التأويلات المتعسّفة الّتي أتعب نفسه بها، لا يتحمّلها نصوص الكتاب والسُّنَّة، فإن الواجب على المسلم أن يُثبت ما أثبت الله تعالى لنفسه، وينفي عنه ما نفاه في كتابه العزيز، أو فيما صحّ عن رسوله - صلّى الله عليه وسلم -، ويبتعد عن هذه التخيّلات الفاسدة الّتي لا تليق بالله -عَزَّ وَجَلَّ-، فله الأسماء الحسنى، والصفات العلى، كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} الآية [الأعراف: 180]، وقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015