(ثُمَّ يُقَرِّر بِذُنُوبِهِ) من التقرير بمعنى الحمل على الإقرار، أي يحمله، ويجعله يعترف بما فعله من الذنوب، قال في "الصحاح": وأقرّ بالحقّ: اعترف به، وقرّره بالحقّ غيره حتّى أقرّ. انتهى (?).
ثمّ بيّن كيفية تقريره بقوله: (فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُ؟) أي تذكر ذنوبك الّتي ارتكبتها، وأنت في الدنيا، وفي رواية البخاريّ: "فيقول: عَمِلت كذا وكذا"، وفي رواية: "أتعرف ذنب كذا وكذا"، وفي رواية: "فيقول له اقرأ صحيفتك، فيقرأ، ويقرّره بذنب ذنب، ويقول: أتعرف، أتعرف" (?) (فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَعْرِفُ، حَتَى إِذَا بَلَغَ مِنْهُ) أي حتّى إذا بلغ المؤمن من الإقرار، أو حتّى إذا بلغ من الفَزَع (مَا شَاءَ الله أَنْ يَبْلُغَ، قَالَ) الله تعالى له (إِنِّي سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ) أي في الآخرة (قَالَ - صلّى الله عليه وسلم - ثُمَّ يُعْطَى) بالبناء للمفعول (صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ، أَوْ) للشكّ من الراوي (كِتَابَتَهُ بِيَمِينِهِ، قَالَ) - صلّى الله عليه وسلم - (وَأَمَّا الْكَافِرُ، أَوِ المُنَافِقُ،) "أو" هنا للتنويع، لا للشكّ، كما يوضح ذلك وقوعه في رواية للبخاريّ بالواو، ولفظه: "وأما الكافر والمنافق"، وفي لفظ: "وأما الكفّار والمنافقون"، وفي رواية: "وأما الكافر، فينادى" بحذف "والمنافق" (فَيُنَادَى) بالبناء للمفعول (عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَاد) بالفتح: جمع شاهد، كصاحب وأصحاب، وهو أيضًا جمع شَهِيد، كشريف وأشراف.
قال القرطبيّ رحمه الله: المراد بالأشهاد: الملائكة الحفظة، قاله مجاهد وغيره، وعن الأعمش: هم الملائكة، وقال الضحّاك: هم الأنبياء والمرسلون، ودليله قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، وقيل: الملائكة والأنبياء والعلماء الذين بلّغوا الرسالات، وقال قتادة: عَنَى الخلائق أجمع. انتهى (?).