من وجهين: أحدهما: من مزاحمة الناظرين له، أي لا تزدحمون في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض، ولا يظلم بعضكم بعضا. والثّاني: من تأخّره عن مقام الناظر المحقّق، فكأن المتقدّمين ضاموه، ورؤية الله -عَزَّ وَجَلَّ- يستوي فيها الكلّ، فلا ضيم ولا ضرر ولا مشقّة.
وفي رواية "لا تضامون، أو لا تضاهون" يعني على الشك، أي لا يشتبه عليكم، وترتابون، فيعارض بعضكم بعضًا في رؤيته، وقيل: لا تشبهونه في رؤيته بغيره من المرئيات.
وروي "تضارّون" بالراء المشدّدة والتاء مفتوحة ومضمومة. وقال الزجّاج: معناه لا تتضارون، أي لا يُضارّ بعضكم بعضًا في رؤيته بالمخالفة.
وعن ابن الأنباريّ: هو تتفاعلون من الضّرار، أي لا تتنازعون وتختلفون. وروي أيضًا "لا تُضَارُونَ" بضم التاء وتخفيف الراء، أي لا يقع للمرء في رؤيته ضَيرٌ ما بالمخالفة، أو المنازعة، أو الخفاء. وروي "تُمارون" براء مخفّفة يعني تُجادلون، أو لا يدخلكم شك. ذكر هذا كلّه العينيّ في "عمدته" (?).
(في رُؤْيَتِهِ) متعلّق بما قبله (فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا) بالبناء للمفعول، أي لا يغلبكم الشيطان حتّى تتركوهما، أو تؤخّروهما عن أول الوقت.
وقال ابن بطّال: قال المهلّب: قوله: "أن لا تُغلبوا عن صلاة" أي في الجماعة قال: وخصّ هذين الوقتين لاجتماع الملائكة فيهما، ورفعهم أعمال العباد لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم.
وتعقّبه الحافظ في تقييده بالجماعة -فأحسن في ذلك- قال: لم يظهر لي وجه تقييد ذلك بكونه في جماعة، وإن كان فضل الجماعة معلومًا من أحاديث أُخَر، بل ظاهر الحديث يتناول مَنْ صلاهما ولو منفردًا؛ إذ مقتضاه التحريض على فعلهما أعمّ من كونه جماعة أو لا. انتهى، والله تعالى أعلم.