ربّكم، فترونه"، وفي رواية: "إنكم سترون ربّكم عِيَانًا"" (كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ) أي من غير مزاحمة كما يُفيده آخر الكلام، وإلا فهذه رؤية في جهة، وتلك رؤية لا في جهة. قاله السنديّ.
قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "لا في جهة" فيه نظرٌ؛ لأنه مبنيّ على نفي المؤوّلة من الأشاعرة والماتريديّة للعلّوّ، فإنهم هنا يزعمون إثبات رؤية الله مع نفي أن تكون في جهة، فوقعوا في التناقض والمحال، والحقّ أنه سبحانه وتعالى يُرى في الدَّار الآخرة حقيقةً كما وَصَف بذلك نفسه في غير ما آية، كقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22، 23] وكما وصفه بذلك نبيّه - صلّى الله عليه وسلم - وأعرف الخلق به في غير ما حديث، ورؤيته حقّ، وهو -عَزَّ وَجَلَّ- في علوه عند أهل السنّة والجماعة، والله تعالى أعلم.
(لَا تَضَامُّونَ) رُوي بضم التاء، وبتخفيف الميم، من الضيم، وهو التعب، وبتشديدها من الضمّ، وفتح التاء، وتشديد الميم، قال الخطّابيّ رحمه الله: يُروى على وجهين: أحدهما مفتوحة التاء مشدّدة الميم، وأصله تتضامّون حُذفت إحدى التاءين، أي لا يُضَامُّ بعضكم بعضا كما يفعله النَّاس في طلب الشيء الخفيّ الّذي لا يسهل دركه، فيتزاحمون عنده، يريد أن كلّ واحد منهم وَادِعٌ مكانه لا ينازعه في رؤيته أحدٌ، والآخر "لا تُضامُون" من الضيم: أي لا يَضِيم بعضكم بعضا في رؤيته.
وقال التيميّ: "لا تُضامُّون" بضمّ الميم، مراده أنكم لا تختلفون إلى بعض فيه حتّى تجتمعوا للنظر، وينضمّ بعضكم إلى بعض، فيقول واحد: هو ذاك، ويقول الآخر: ليس ذاك كما يفعله النَّاس عند النظر إلى الهلال أوّل الشهر، وبتخفيفها معناه لا يَضيم بعضكم بعضًا بأن يدفعه عنه، أو يستأثر به دونه.
وقال ابن الأنباري: أي لا يقع لكم في الرؤية ضَيْمٌ، وهو الذّلّ، وأصله تُضيَمُون، فأُلقيت حركة الياء على الضاد، فصارت الياء ألفا؛ لانفتاح ما قبلها.
وقال ابن الجوزي: لا تضامون بضمّ التاء المثنّاة من فوقُ، وتخفيف الميم، وعليه أكثر الرواة، والمعنى: لا ينالكم ضيمٌ، والضيم أصله الظلم، وهذا الضيم يَلْحَق الرائيَ