افتراق أهل السنة في الفروع، وأما في الاعتقاد ففي نُبَذٍ يسيرة، وأما الباقون ففي مقالاتهم ما يخالف أهل السنة الخلاف البعيد والقريب، فأقرب فِرَق المرجئة من قال: الإيمان التصديق بالقلب واللسان فقط، وليست العبادة من الإيمان، وأبعدهم الجهمية القائلون بأن الإيمان عقد بالقلب فقط، وان أظهر الكفر والتثليث بلسانه، وعَبَدَ الوثن تَقِيّةً، والكرامية القائلون بأن الإيمان قول باللسان فقط، وإن اعتقد الكفر بقلبه، وساق الكلام على بقية الفِرَق، ثم قال: فأما المرجئة فعمدتهم الكلام في الإيمان والكفر، فمن قال: إن العبادة من الإيمان، وإنه يزيد وينقص، ولا يُكَفِّر مؤمنًا بذنب، ولا يقول: إنه يُخَلَّد في النار فليس مرجئًا، ولو وافقهم في بقية مقالاتهم، وأما المعتزلة فعمدتهم الكلام في الوعد والوعيد والقدر، فمن قال: القرآن ليس بمخلوق، وأثبت القدر، ورؤية الله تعالى في القيامة، وأثبت صفاته الواردة في الكتاب والسنة، وأن صاحب الكبائر لا يخرج بذلك عن الإيمان فليس بمعتزلي، وإن وافقهم في سائر مقالاتهم، وساق بقية ذلك إلى أن قال: وأما الكلام فيما يوصف الله به فمشترك بين الفِرَقِ الخمسة من مُثبت لها وناف، فرأس النفاة المعتزلة والجهمية، فقد بالغوا في ذلك حتى كادوا يُعَطِّلون، ورأس المثبتة مُقاتل بن سليمان، ومن تبعه من الرافضة والكرامية، فإنهم بالغوا في ذلك، حتى شبهوا الله تعالى بخلقه، تعالى الله سبحانه عن أقوالهم علوًّا كبيرًا.
ونظير هذا التباين قول الجهمية: إن العبد لا قدرة له أصلًا، وقول القدرية: إنه يخلُقُ فعل نفسه.
وقد أفرد البخاري خلق أفعال العباد في تصنيف، وذكر منه هنا أشياء بعد فراغه مما يتعلق بالجهمية. ذكر هذا كلّه في "الفتح" (?).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في "منهاج السنّة": ما حاصله: ثم إنه في أواخر عصر التابعين من أوائل المائة الثانية حدثت بدعة الجهميّة منكرة الصفات، وكان