أول من أظهر ذلك الجعد بن درهم، فطلبه خالد بن عبد الله الْقَسْريّ، فضحّى به بواسط، فخطب الناس يوم النحر.

قال: أيها الناس ضحّوا تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضحّ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله تعالى لم يتّخذ إبراهيم خليلًا، ولم يُكلّم موسى تكليمًا تعالى الله عما يقول الجعد عُلُوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه.

ثم ظهر بهذا المذهب الجهم بن صفوان، ودخلت فيه بعد ذلك المعتزلة، وهؤلاء أوّل من عُرف عنهم في الإسلام أنهم أثبتوا حدوث العالم بحدوث الأجسام، وأثبتوا حدوث الأجسام بحدوث ما يستلزمها من الأعراض، وقالوا: الأجسام لا تنفكّ عن أعراض محدثة، وما لا ينفكّ عن الحوادث، أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث لامتناع حوادث لا أول لها.

ثم إنهم تفرّقوا عن هذا الأصل، فلما قالوا بامتناع دوام الحوادث في الماضي عورضوا بالمستقبل، فَطَرَدَ إماما هذه الطريقة هذا الأصل، وهما إمام الجهميّة الجهم بن صفوان، وأبو الْهُذيل الْعَلّاف إمام المعتزلة، وقالا بامتناع دوام الحوادث في المستقبل والماضي.

ثم إن جهمًا قال: إذا كان الأمر كذلك لزم فناء الجنّة والنار، وأنه يعدم كلّ ما سوى الله، كما كان كل ما سواه معدومًا، وكان هذا مما أنكره السلف والأئمة على الجهميّة، وعدُّوه من كفرهم، وقالوا: إن الله تعالى يقول: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص: 54] وقال تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} [الرعد: 35] إلى غير ذلك من النصوص الدّالّة على بقاء نعيم الجنّة. إلى آخر ما قاله، فقد فصّل هذه الفرق تفصيلًا حسنًا لا تراه في كتب غيره كما فصّله، فاستفد منه (?)، والله تعالى وليّ التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015