قاصدًا إلى قتاله، فالتقيا بصِفِّين، فدامت الحرب بينهما أشهرًا، وكاد أهل الشّام أن ينكسروا، فرفعوا المصاحف على الرماح، ونادَوْا ندعوكم إلى كتاب الله تعالى، وكان ذلك بإشارة عمرو بن العاص، وهو مع معاوية، فترك جمع كثير ممّن كان مع علي، وخُصُوصًا القراءُ القتالَ بسبب ذلك تديُّنًا، واحتجوا بقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الآية [آل عمران: 23]، فراسلوا أهل الشّام في ذلك، فقالوا: ابعثوا حَكَمًا منكم، وحَكَمًا مِنّا، ويحضر معهما من لم يباشر القتال، فمن رأوا الحق معه أطاعوه، فأجاب عليّ ومن معه إلى ذلك، وأنكرت ذلك تلك الطائفة الّتي صاروا خوارج، وكتب علي بينه وبين معاوية كتاب الحكومة بين أهل العراق والشام، هذا ما قاضى عليه أمير المؤمنين على معاوية، فامتنع أهل الشّام من ذلك، وقالوا: اكتبوا اسمه واسم أبيه، فأجاب عليّ إلى ذلك، فأنكره عليه الخوارج أيضًا، ثمّ انفصل الفريقان على أن يحضر الحكمان، ومن معهما بعد مدة عينوها في مكان وسط بين الشّام والعراق، ويرجع العسكران إلى بلادهم إلى أن يقع الحكم، فرجع معاوية إلى الشّام، ورجع علي إلى الكوفة، ففارقه الخوارج، وهم ثمانية آلاف، وقيل: كانوا أكثر من عشرة آلاف.
وقيل: ستة آلاف، ونزلوا مكانًا، يقال له: حَرُوراء -بفتح المهملة، وراءين الأولى مضمومة- ومن ثَمَّ قيل لهم: الحرورية، وكان كبيرهم عبد الله بن الْكَوَّاء -بفتح الكاف، وتشديد الواو، مع المد- اليشكريّ، وشَبَث -بفتح المعجمة، والموحدة، بعدها مثلثة- التميميّ، فأرسل إليهم عليٌّ ابنَ عبّاس، فناظرهم فرجع كثير منهم معه، ثمّ خرج إليهم عليّ فأطاعوه، ودخلوا معه الكوفة، معهم رئيساهم المذكوران، ثمّ أشاعوا أن عليا تاب من الحكومة، ولذلك رجعوا معه، فبلغ ذلك عليًّا، فخطب وأنكر ذلك، فتنادوا من جوانب المسجد لا حكم إِلَّا لله، فقال: كلمة حق يراد بها باطل، فقال لهم: لكم علينا ثلاث، أن لا نَمنعكم من المساجد، ولا من رزقكم من الفيء، ولا نبدؤكم بقتال ما لم تُحْدِثوا فسادًا، وخرجوا شيئًا بعد شيء إلى أن اجتمعوا بالمدائن، فراسلهم في