34 - (بَابٌ في الْخَوَارِجِ)

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في هذه التّرجمة مسألتان:

(المسألة الأولى): في معنى الخوارج، ومتى خرجوا؟، وبيان سبب خروجهم:

(اعلم): أن الخوارج جمع خارجة، أي طائفة، وهم قوم مبتدعون، سُمُّوا بذلك لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين، وأصل بدعتهم فيما حكاه الرافعي في "الشرح الكبير" أنهم خرجوا على علي -رضي الله عنه- حيث اعتقدوا أنه يَعْرِف قَتَلَة عثمان -رضي الله عنه- ويَقْدِر عليهم، ولا يَقْتَصّ منهم لرضاه بقتله، أو مواطأته إياهم، كذا قال، وهو خلاف ما أطبق عليه أهل الأخبار، فإنّه لا نزاع عندهم أن الخوارج لم يطلبوا بدم عثمان، بل كانوا ينكرون عليه أشياء، ويتبرءون منه، وأصل ذلك أن بعض أهل العراق أنكروا سِيرة بعض أقارب عثمان، فطَعَنوا على عثمان بذلك، وكان يقال لهم: القراء لشدة اجتهادهم في التلاوة والعبادة، إِلَّا أنهم كانوا يتأولون القرآن المراد منه ويستبدون برأيهم، ويتنطعون في الزهد والخشوع، وغير ذلك، فلما قُتِل عثمان قاتلوا مع علي، واعتقدوا كُفْرَ عثمان ومن تابعه، واعتقدوا إمامة علي وكفر من قاتله من أهل الجمل الّذي كان رئيسهم طلحة والزبير، فإنهما خرجا إلى مكّة بعد أن بايعا عليا، فلقيا عائشة وكانت حجت تلك السنة، فاتفقوا على طلب قَتَلَة عثمان.

وخرجوا إلى البصرة يدعون النَّاس إلى ذلك، فبلغ عليا، فخرج إليهم، فوقعت بينهم وقعة الجمل المشهورة، وانتصر على، وقُتل طلحة في المعركة، وقُتل الزُّبير بعد أن انصرف من الوقعة، فهذه الطائفة هي الّتي كانت تطلب بدم عثمان بالاتفاق، ثمّ قام معاوية بالشام في مثل ذلك، وكان أمير الشّام إذ ذاك، وكان عليٌّ أرسل إليه لأن يبايع له أهل الشّام، فاعتَلَّ بأن عثمان قُتل مظلومًا، وتجب المبادرة إلى الاقتصاص من قَتَلته، وأنه أقوى النَّاس على الطلب بذلك، ويلتمس من علي أن يُمَكِّنه منهم، ثمّ يبايع له بعد ذلك، وعلي يقول: ادخل فيما دخل فيه النَّاس، وحاكمهم إليّ أحكم فيهم بالحق، فلما طال الأمر خرج علي في أهل العراق طالبًا قتال أهل الشّام، فخرج معاوية في أهل الشّام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015