الرجوع، فأصروا على الامتناع حتّى يُشْهِد على نفسه بالكفر؛ لرضاه بالتحكيم، ويتوب، ثمّ راسلهم أيضًا فاستعرضوا النَّاس، فقتلوا من اجتاز بهم من المسلمين، ومر بهم عبد الله بن خباب بن الأرت، وكان واليًا لعلي على بعض تلك البلاد، ومعه سُرِّيَّة وهي حامل، فقتلوه وبَقَروا بطن سُرِّيته عن ولد، فبلغ عليا فخرج إليهم في الجيش الّذي كان هيأه للخروج إلى الشّام، فأوقع بهم بالنَّهْرَوان، ولم ينج منهم إِلَّا دون العشرة، ولا قُتل ممّن معه إِلَّا نحو العشرة، فهذا ملخص أول أمرهم.

ثمّ انضم إلى من بقي منهم مَنْ مال إلى رأيهم، فكانوا مختفين في خلافة علي، حتّى كان منهم عبد الرّحمن بن مُلْجِم الّذي قَتَل عليا بعد أن دخل علي في صلاة الصُّبح، ثمّ لمّا وقع صلح الحسن ومعاوية ثارت منهم طائفة، فأوقع بهم عسكر الشّام بمكان يقال له: النجيلة، ثمّ كانوا منقمعين في إمارة زياد وابنه عبيد الله على العراق، طول مدة معاوية وولده يزيد، وظفر زياد وابنه منهم بجماعة فأبادهم بين قتل وحبس طويل، فلما مات يزيد ووقع الافتراق، وولى الخلافة عبد الله بن الزبير، وأطاعه أهل الأمصار إِلَّا بعض أهل الشّام ثار مروان، فادَّعَى الخلافة، وغلب على جميع الشّام إلى مصر، فظهر الخوارج حينئذ بالعراق مع نافع بن الأزرق، وباليمامة مع نَجْدَة بن عامر، وزاد نَجْدة على مُعتَقَد الخوارج أن من لم يخرج ويحارب المسلمين فهو كافر، ولو اعتقد معتقدهم، وعَظُم البلاء بهم، وتوسعوا في معتقدهم الفاسد، فأبطلوا رجم المحصن، وقطعوا يد السارق من الإبط، وأوجبوا الصّلاة على الحائض في حال حيضها، وكَفَّروا من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إن كان قادرًا.

وإن لم يكن قادرًا فقد ارتكب كبيرة، وحُكْمُ مرتكب الكبيرة عندهم حكم الكافر، وكَفُّوا عن أموال أهل الذِّمَّة، وعن التعرض لهم مطلقًا، وفَتَكُوا فيمن ينسب إلى الإسلام بالقتل والسبي والنَّهْب، فمنهم من يفعل ذلك مطلقًا بغير دعوة منهم، ومنهم من يدعو أولا ثمّ يَفتِك، ولم يزل البلاء بهم يزيد إلى أن أُمِّرَ المُهَلَّب بن أبي صُفْرة على قتالهم فطاولهم حتّى ظفر بهم، وتقلل جمعهم، ثمّ لم يزل منهم بقايا في طول الدولة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015