الصحابة كلهم عدول، فيصير بمنزلة قول القائل: أنا عدلٌ، وذلك لا يُقبل.
وأما الشرط الثاني -وهو المعاصرة- فيُعتبر بمضيّ مائة وعشر سنين من هجرة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في آخر عمره لأصحابه: "أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممن هو اليوم عليها أحد". متّفقٌ عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وزاد مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- أن ذلك كان قبل موته -صلى الله عليه وسلم- بشهر، ولفظه: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول قبل أن يموت بشهر: "أُقسم بالله، ما على الأرض من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة، وهي حيّة يومئذ".
ولهذه النكتة لم يُصدّق أحدٌ من الأئمة أحدًا ادّعى الصحبة بعد الغاية المذكورة، وقد ادّعاها جماعة، فكُذِّبوا، وكان آخرهم رَتَن الهنديّ؛ لظهور كذبهم في دعواهم على ما ذُكر.
ثم من لم يُعرَف حاله إلا من جهة نفسه، فمقتضى كلام الآمديّ الذي سبق ومن تبعه ألا تثبُت صحبته، ونقل أبو الحسن بن القطّان فيه الخلاف، ورجّح عدم الثبوت. وأما ابن عبد البر فجزم بالقبول؛ بناءً على أن الظاهر سلامته من الجرح، وقوّى ذلك بتصرّف أئمة الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم، ولا ريب في انحطاط رتبة من هذا سبيله عمن مضى.
ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعيّ: أخبرني فلان مثلًا أنه سمع النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول، سواء أسماه أم لا. أما إذا قال: أخبرني رجل مثلًا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بكذا فثبوت الصحبة بذلك بعيد؛ لاحتمال الإرسال، ويحتمل التفرقة بين أن يكون القائل من كبار التابعين، فيُرَجّح القبول، أو صغارهم فيرجّح الردّ، ومع ذلك فلم يَتَوقّف من صنّف في الصحابة في إخراج من هذا سبيله في كتبهم. والله تعالى أعلم.
ضابط يُستفاد من معرفته صحبة جمع كثير يُكتفى فيهم بوصف يتضمّن أنهم صحابة، وهو مأخوذ من ثلاثة آثار:
[الأول]: أخرج ابن أبي شيبة قال: كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلا الصحابة،