فمن تتبّع الأخبار الواردة في الردّة والفتوح وَجَد من ذلك شيئًا كثيرًا، وهم من القسم الأول.
[الثاني]: أخرج الحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف قال: كان لا يولد لأحد مولود إلا أتى به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فدعا له، وهذا يؤخذ منه شيء كثيرٌ أيضًا، وهم من القسم الثاني.
[الثالث]: أخرج ابن عبد البرّ قال: لم يبق بمكة والطائف أحدٌ في سنة عشر إلا أسلم، وشهد حجة الوداع، هذا وهم في نفس الأمر عددٌ لا يُحصون، لكن يُعرف الواحد منهم بوجود ما يقتضي أنه كان في ذلك الوقت موجودًا، فيلحق بالقسم الأول أو الثاني؛ لحصول رؤيتهم للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإن لم يرهم هو. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في ذكر عدالة الصحابة -رضي الله عنهم-:
(اعلم): أنه اتّفق أهل السنّة على أن جميع الصحابة -رضي الله عنهم- عُدولٌ، ولم يُخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة. وقد ذكر الخطيب في "الكفاية" فصلًا نفيسًا في ذلك، فقال: عدالة الصحابة -رضي الله عنهم- ثابتة معلومة بتعديل الله سبحانه وتعالى لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وقوله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 18]، وقوله عز وجل: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]، وقوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64]، وقوله عز وجل: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} إلى قوله: {إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمُ} [الحشر: 8 - 10]، في آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع