أجمعون على رد مثقال ذرة منه لم نقدر، فلا تلمني، فإن اللوم على المخالفة شرعي لا عقلي، وإذا تاب الله عليّ، وغفر لي زال اللوم، فمن لامني كان محجوجًا بالشرع.

[فإن قيل]: فالعاصي اليوم لو قال: هذه المعصية قُدّرت عليّ، فينبغي أن يسقط عني اللوم.

[قلنا]: الفرق أن هذا العاصي باق في دار التكليف، جارية عليه الأحكام، من العقوبة واللوم، وفي ذلك له ولغيره زجرٌ وعظةٌ، فأما آدم فميت، خارج عن دار التكليف، مستغنٍ عن الزجر، فلم يكن للومه فائدة، بل فيه إيذاءٌ وتخجيلٌ، فلذلك كان الغلبة له.

وقال التوربشتي: ليس معنى قوله: "كتبه الله عليّ" ألزمني به، وإنما معناه أثبته في أم الكتاب قبل أن يَخلُق آدم، وحَكَمَ أن ذلك كائن.

ثم إن هذه المحاججة إنما وقعت في العالم العلوي، عند مُلْتَقَى الأوراح، ولم تقع في عالم الأسباب، والفرق بينهما أن عالم الأسباب لا يجوز قطع النظر فيه عن الوسائط والاكتساب، بخلاف العالم العلوي بعد انقطاع موجب الكسب، وارتفاع الأحكام التكليفية، فلذلك احتج آدم بالقدر السابق. قال الحافظ: وهو محصل بعض الأجوبة المتقدم ذكرها (?).

وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى إلى ان احتجاج آدم على موسى عليهما السلام كان في المصائب، لا في الذنوب، قال: وقد ظنّ قوم أن آدم احتجّ بالقدر السابق على نفي الملام على الذنب، ثم صاروا لأجل هذا الظنّ ثلاثة أحزاب:

(فريق): كذبوا بهذا الحديث، كأبي عليّ الجبّائيّ وغيره؛ لأنه من المعلوم بالاضطرار أن هذا خلاف ما جاءت به الرسل، ولا ريب أنه يمتنع أن يكون هذا مراد الحديث، ويجب تنزيه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بل وجميع الأنبياء، وأتباع الأنبياء أن يَجعلوا القدر حجة لمن عصى الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015