(وفريق): تأوّلوه بتأويلات معلومة الفساد، كقول بعضهم: إنما حجه لأنه كان أباه، والابن لا يلوم أباه.

وقول بعضهم: لأن الذنب كان في شريعة، واللوم في أخرى. وقول بعضهم: لأن الملام كان بعد التوبة. وقول بعضهم: لأن هذا تختلف فيه دار الدنيا ودار الآخرة.

(وفريق ثالث) جعلوه عمدة سقوط الملام عن المخالف لأمر الله سبحانه وتعالي ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ثم لم يمكنهم طرد ذلك، فلا بدّ في نفس معاشهم في الدنيا أن يلام من فعل ما يضرّ نفسه وغيره، لكن منهم من صار يحتج بهذا عند أهوائه وأغراضه، لا عند أهواء غيره، كما قيل في مثل هذا: أنت عند الطاعة قدريّ، وعند المعصية جبريّ، أي أيّ مذهب وافق هواك تمذهبت به، فالواحد من هؤلاء إذا أذنب أخذ يحتجّ بالقدر، ولو أذنب غيره، أو ظلمه لم يعذُره، وهؤلاء ظالمون معتدون.

ومنهم من يقول: هذا في حقّ أهل الحقيقة الذين شهدوا توحيد الربوبيّة، وفنُوا عما سوى الله، فيرون أن لا فاعل إلا الله، فهؤلاء لا يستحسنون حسنةً، ولا يستقبحون سيّئةً، فإنهم لا يرون لمخلوق فعلًا، بل لا يرون فاعلا إلا الله، بخلاف من شهد لنفسه فعلًا، فإنه يُذَمُّ ويُعاقَب، وهذا قول كثير من متأخري الصوفيّة المدّعين للحقيقة، وقد يجعلون هذا نهاية التحقيق، وغاية العرفان والتوحيد، وهذا قول طائفة من أهل العلم.

قال: وممن يُشبه هؤلاء كثير من الفلاسفة، كقول ابن سينا بأن يشهد سرّ القدر، والرازيّ يقرّر ذلك؛ لأنه كان جبريًّا محضًا.

وفي الجملة فهذا المعنى دائر في نفوس كثير من أهل العلم والعبادة، فضلًا عن العامّة، وهو مناقض لدين الإسلام.

قال: إذا عرفت هذا، فنقول: الصواب في قصّة آدم وموسى- عليهما السلام- أن موسى لم يَلُم آدم إلا من جهة المصيبة التي أصابته وذريّته بما فعل، لا لأجل أن تارك الأمر مذنبٌ عاصٍ، ولهذا قال: "لِمَ أخرجتنا ونفسك من الجنّة؟ "، ولم يقل: لماذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015