[ثانيها]: إنما حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- لآدم بالحجة في معنى خاص، وذلك لأنه لو كانت في المعنى العام لا تقدم من الله تعالى لومه بقوله: {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ} [الأعراف: 22]، ولا واخذه بذلك، حتى أخرجه من الجنة، وأهبطه إلى الأرض، ولكن لما أخذ موسى في لومه، وقدم قوله له: أنت الذي خلقك الله بيده، وأنت وأنت لم فعلت كذا؟ عارضه آدم بقوله: أنت الذي اصطفاك الله، وأنت وأنت.

وحاصل جوابه إذا كنت بهذه المنزلة، كيف يَخفَى عليك أنه لا محيد من القدر، وإنما وقعت الغلبة لآدم من وجهين:

[أحدهما]: أنه ليس لمخلوق أن يلوم مخلوقا في وقوع ما قُدّر عليه، إلا بإذن من الله تعالى، فيكون الشارع هو اللائم، فلما أخذ موسى في لومه من غير أن يؤذن له في ذلك، عارضه بالقدر فأسكته.

[والثاني]: أن الذي فعله آدم اجتمع فيه القدر والكسب، والتوبة تمحو أثر الكسب، وقد كان الله تاب عليه، فلم يبق إلا القدر، والقدر لا يتوجه عليه لوم؛ لأنه فعل الله، ولا يسأل عما يفعل.

[ثالثها]: قال ابن عبد البر: هذا عندي مخصوص بآدم؛ لأن المناظرة بينهما وقعت بعد أن تاب الله على آدم قطعًا، كما قال تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: 37]، فحسن منه أن ينكر على موسى لومه على الأكل من الشجرة؛ لأنه كان قد تيب عليه من ذلك، وإلا فلا يجوز لأحد أن يقول لمن لامه على ارتكاب معصية، كما لو قتل، أو زنى، أو سرق: هذا سبق في علم الله وقدره عليّ قبل أن يخلقني، فليس لك أن تلومني عليه، فإن الأمة أجمعت على جواز لوم من وقع منه ذلك، بل على استحباب ذلك، كما أجمعوا على استحباب محمدة من واظب على الطاعة، قال: وقد حَكَى ابنُ وهب في "كتاب القدر" عن مالك، عن يحيى بن سعيد: أن ذلك كان من آدم بعد أن تيب عليه.

[رابعها]: إنما توجهت الحجة لآدم؛ لأن موسى لامه بعد أن مات، واللوم إنما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015