رُسُله، ومن تلقى عن رسله، ممن أُمر بالتبليغ عنهم.

وقال القرطبي رحمه الله: إنما غلبه بالحجة؛ لأنه عَلِم من التوراة أن الله تاب عليه، فكان لومه له على ذلك نوع جفاء، كما يقال: ذكر الجفاء بعد حصول الصفاء جفاء، ولأن أثر المخالفة بعد الصفح يَنمحي حتى كأنه لم يكن، فلا يصادف اللوم من اللائم حينئذ محلا. انتهى.

وهو محصل ما أجاب به المازري وغيره من المحققين، وهو المعتمد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): قد أنكر القدرية هذا الحديث؛ لأنه صريح في إثبات القدر السابق، وتقرير النبي -صلى الله عليه وسلم- لآدم عليه السلام على الاحتجاج به، وشهادته بأنه غلب موسى، فقالوا: لا يصحّ؛ لأن موسى عليه السلام لا يلوم على أمر قد تاب منه صاحبه، وقد قَتَلَ هو نفسًا لم يؤمر بقتلها، ثم قال: رب اغفر لي فغفر له، فكيف يلوم آدم على أمر قد غُفر له.

ثانيها (?): لو ساغ اللوم على الذنب بالقدر الذي فُرغ من كتابته على العبد، لا يصح هذا لكان من عوتب على معصية، قد ارتكبها، فيحتج بالقدر السابق، ولو ساغ ذلك لانسد باب القصاص والحدود، ولاحتج به كل أحد على ما يرتكبه من الفواحش، وهذا يفضي إلى لوازم قطعية، فدل ذلك على أن هذا الحديث لا أصل له.

[والجواب]: من أوجه:

[أحدها]: آن آدم إنما احتج بالقدر على المعصية، لا المخالفة، فإن محصل لوم موسى إنما هو على الإخراج، فكأنه قال: أنا لم أخرجكم، وإنما أخرجكم الذي رَتَّبَ الإخراج على الأكل من الشجرة، والذي رتب ذلك قَدَّرَه قبل أن أُخلق، فكيف تلومني على أمر ليس لي فيه نسبة إلا الأكل من الشجرة، والإخراج المرتب عليها ليس من فعلي.

وهذا الجواب لا يدفع شبهة الجبرية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015