المشابهة أكثر كان التفاعل في الصفات والأخلاق أتم وأكمل، حتى يؤول الأمرُ إلى أنْ لا يتميز أحدهما عن الآخر إلا بالعينِ فقط وهذا أمر محسوَس في بني آدم، واكتساب بعضهم أخلاق بعض بالمعاشرة والمشاكلة.

بل الأدمي إذا عاشر نوعاً من الحيوان اكتسبَ بعضَ أخلاقه، ولهذا صار الخيلاء والفخر في أهل الإِبل، والسكينة في أهل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجِمَالِ وِالبِغَال، وكذلك الكلابون. وصار الحيوَان الإِنسي فيه بعض أخلاق الناس مِنَ المُعَاشرَةِ والمؤالَفَةِ وقلَّةِ النّفرة.

قال ابنُ تيمية - بعد تقريره هذا الكلام -: وقد رأينا اليهوَدَ والنَصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمينَ الذينَ اكثروا معاشرةِ اليهود والنصارى هم اقلّ إيمانا من غيرهم. والمشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرةِ توَجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، فينشا عنها الأخلاق والأفعال المذمومة، بل في نفس الاعتقادات، وتأثير ذلك لا يظهر ولا ينضبط وقد يتعسر أو يتعذر زواله بعد حصوَله.

وقد روى الإِمام أحمد في (المسند) عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنَهُ قال: عليكم بالمَعدَيَّةِ، وذروا التنعُمَ، وزيّ العَجَم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015