يتبيَّنُ بها ما يدخلُ في مثلِ هذا مِنَ الخيالِ والضَّلال، وهذا بعدَ أنْ يوافِقوا على تسميةِ كُلٍّ مِنَ الموصوفِ والصِّفةِ علّةً للآخر، وإلّا هذا اصطلاحٌ منكرٌ في الفِطرة؛ إذِ الموصوفُ وهوَ الدِّرهمُ مثلًا محلٌّ لهذا العَرَض، كما أنَّ سائرَ الأجسامِ مواضعُ لأعراضِها، فزعمُ الزّاعمِ أنَّ هذهِ الصُّورةَ ليسَتْ عرَضًا كسائرِ الأعراضِ غلَطٌ، وكذلكَ جعل الصِّفةَ علّةً، ولو قالوا: إنَّهما عِلَّتانِ للمركَّبِ كانَ التَّحقيقُ أنَّ الصّانعَ هوَ الذي فعلَ هذا التَّركيبَ، فإنَّهُ هوَ الذي صاغَ الفضّةَ دِرهمًا وخاتمًا، فأمّا جعلُ أحدِهما علّةً للآخرِ فحاصلُهُ أنَّهُ لا بدَّ للصِّفةِ مِنَ الموصوف، ولا بدَّ لهذا الموصوفِ بشرطِ كونهِ موصوفًا مِنَ الصِّفة، وهذا الأمرُ لازمٌ لجميعِ الصِّفاتِ والموصوفاتِ المشاركةِ لكُلِّ جوهرٍ وعرَضِه، فإذا فرِّقَ بينَ الجوهرِ والعَرضِ والمادّةِ والصُّورة، وهُم يفرِّقونَ بينَ هذا وهذا، فيجعلونَ الجوهرَ هوَ المحلَّ الذي يستغني عَنِ الحال، ويسمُّونَهُ الموضوعَ، ويجعلونَ المادّةَ هيَ المحلَّ الذي يستغني عَنِ الحالِ فيه، وهذا تفريقٌ باطلٌ؛ فإنَّهم إنْ عَنَوا باستغناءِ المحلِّ أنَّهُ يمكنُ وجوده مجرَّدًا عَنِ العَرَض، فهذا شأنُ هذهِ الصِّفة، وإنْ عَنَوا أنَّهُ لا يستغني بشرطِ كونهِ مركَّبًا مِنَ الصُّور، فهذا شأنُ جميعِ الأعراض، وكذلكَ الصُّورُ التي هيَ الأعْراضُ طباعيّة، كالحرارةِ في النّار، والبرودةِ في الماءِ ونحوِ ذلكَ، إذا قالوا: إنَّ الحرارةَ صورةُ النّار، فالصُّورةُ هنا عرَضٌ قائمٌ بجِسمٍ، فإنَّ الحرارةَ قائمةٌ بالحارّ، والبرودةَ قائمةٌ بالبارد، وأمّا الصُّوَرُ إذا عَنوا بها جوهرًا كما إذا قالوا: إنَّ نفسَ الجِسمِ القائمِ بنفسِهِ صورةٌ قائمةٌ بمادّةٍ، فليسَتِ المادّةُ هنا أيضًا جوهرًا قائمًا بنفسِه، بَلْ إذا قالوا: إنَّ الجِسمَ يعرضُ لهُ الاتِّصالُ والانفصالُ، ومحلُّ الاتِّصالِ والانفصالِ غيرُ المتَّصلِ والمنفصل، كانَ هذا عندَ التَّحقيقِ