والخشبُ مادّةٌ، وشكلُ السَّريرِ والبابِ وغيرِ ذلكَ صورةٌ فيه، أو الحديدُ مادّةٌ، وشكلُ السَّيفِ أو غيرِهِ صورةٌ فيه، ونحو ذلكَ، فإنَّ هذهِ الصُّورةَ الصِّناعيّةَ في جميعِ البابِ إمّا هيَ عرَضٌ قائمٌ بجوهرٍ، وهوَ التَّأليفُ والشَّكلُ الخاصُّ، ليسَتِ الصُّورةُ هنا جوهرًا قائمًا بنفسِه، وهذا بيِّنٌ بالحِسِّ والعقل، وحينئذٍ فقَولُهم: إنَّ المادّةَ والصُّورةَ عِلَّتانِ للمركَّب، وهُما عِلَّتانِ للماهيّة، كما أنَّ الفاعلَ والغايةَ عِلَّتانِ لوجود تحقيقه، أنَّ هذهِ الأجسامَ التي قامَ بها هذا العَرَضُ هيَ مركَّبةٌ مِنْ موصوفٍ وصفةٍ، وأنَّ الموصوفَ والصِّفةَ عِلَّتانِ لماهيّةِ الموصوف، ثمَّ إنَّ مِنَ المعلومِ أنَّ هذهِ الماهيّة تُتصوَّرُ في الذِّهنِ ثمَّ توجدُ في الخارج، فوجودُها الذِّهنيُّ هوَ ماهيَّتُها الذِّهنيّةُ، ووجودُها الخارجيُّ هوَ ماهيَّتُها الخارجيّةُ، وحينئذٍ فما لم يوجدْ في الخارجِ فليسَ في الخارج، لا علّةٌ ولا معلولٌ، وإذا تُصوِّرَ في الذِّهنِ أو وُجِدَ في الخارج، فإنَّما هوَ موصوفٌ قامَتْ بهِ صفةٌ، وليسَ هنا شيءٌ غيرُ الموصوفِ والصِّفةِ حتَّى يكونَ هذانِ عِلَّتينِ لهُ، بل ما سبقَ علّةُ مادّةٍ وصورتُهُ هوَ نفسُ المعلول، ونفسُ المعلولِ هوَ نفسُ العِلّة، فليتدبَّرْ هذا؛ فإنَّ قولَهم: إنَّ المادّةَ والصُّورةَ عِلَّتانِ للماهيّةِ وللحقيقةِ ونحو ذلكَ يوهِمُ أنَّ في الخارجِ ماهيّةً غيرَ المادّةِ والصُّورة، وأنَّ المادّةَ والصُّورةَ علّة لتلكَ الماهيّة، وكُلُّ هذا خيالٌ فاسدٌ، فليسَ في الخارجِ إلّا الموجودُ الذي هوَ الدِّرهمُ والخاتمُ وهيَ فضّةٌ لها شكلٌ خاصٌّ، ليسَ في الخارجِ سوى ذلكَ، لا ماهيّةٌ ولا وجود ولا غيرُ ذلكَ. وبتقديرِ أنْ يكونَ هناكَ ماهيَّةٌ غيرُ هذا الموجود، فليسَ هوَ غيرَ الموصوفِ والصِّفةِ القائمةِ به، وتقديرُ أنْ تكونَ المادّةُ والصُّورةُ غيرَ الموصوفِ والصِّفة، فليسَ هناكَ ماهيّةٌ غيرُ المادّةِ والصُّورةِ حتَّى يكونَ هذانِ علّةً لغيرِ أنفُسِهما، فهذهِ ثلاثةُ مقاماتٍ