ولهذا يُقالُ: أوَّلُ الفكرةِ آخرُ العمل، وأوَّلُ البغية آخرُ الدَّرك، فالفكرةُ إشارةٌ إلى ما يُتصوَّرُ بها، والبُغيةُ هيَ الإرادةُ والقصدُ، وهذا بيِّنٌ، وقد يقولونَ: العِلّةُ الغائيةُ عِلّةٌ فاعليّة للعِلّةِ الفاعليّةِ بها، صارَ الفاعلُ فاعلًا، والتَّحقيقُ أنَّهُ بها يتمُّ كونُهُ فاعلًا لا أنَّها بمجرَّدِها علّةُ كونِهِ فاعلًا، وقد يقولونَ: إنَّها سابقةٌ بالماهيّةِ متأخِّرةٌ بالوجود، ولا ماهيّةَ لها في الوجودِ قبلَ وجودٍ، وإنَّما هيَ سابقةٌ في الماهيّةِ والوجودِ الذي في العِلمِ والقصد، لا في الخارجِ.

وقد بسطْنا الكلامَ على هذا الباب، وما لهم فيهِ مِنَ التَّناقُض، وكيفَ يبطُلُ قولُهم بأنَّهُ موجبٌ بذاتِه، إنَّما يذكرونَهُ مِنَ الغاياتِ المرادةِ لهُ في أفعالِه، وما في ذلكَ مِنْ إبطالِ قولِهم بنَفيِ الصِّفات، وإنَّما المقصودُ هنا أنَّ إطلاقَ لفظِ العِلّةِ على الحِكمةِ المقصودةِ بالفِعلِ هوَ اصطلاحٌ معروفٌ لهم ولغيرِهم مِنْ أهلِ النَّظرِ. وكذلكَ إطلاقُ لفظِ العِلّةِ على السَّببِ الذي ليسَ لهُ شعورٌ ولا قصدٌ هوَ أيضًا اصطلاحٌ معروفٌ، وأمّا إطلاقُ لفظِ العِلّةِ على الفاعلِ الذي لهُ عِلمٌ وإرادةٌ، وهوَ الذي يزيدُ العِلّةَ الغائيةَ، فهذا ممّا ينازعونَ في إطلاقِه، وإنْ قيلَ: إنَّ النِّزاعَ في ذلكَ لفظيٌّ فالمقصودُ أنْ يعرفَ ما دخلَ مِنْ الاشتراكِ في هذهِ الألفاظِ بسببِ تنوُّعِ الاصطلاحاتِ وغيرِها، حتَّى يتبيَّنَ مواضعُ الغلَطِ النّاشئةُ مِنْ ذلكَ.

وكذلكَ إطلاقُ لفظِ العِلّةِ على المادّةِ والقائلِ الذي يكونُ جوهرًا، أو يكونُ ما يسمُّونَهُ صورةً عرَضًا لهُ، سواءٌ كانَتِ الصُّورةُ صناعيّةً أو طباعيّةً، مثلُ قولِهم: إنَّ الصِّفةَ مادَّةٌ، وهيَ الخاتمُ، والدِّرهمُ ونحوُ ذلكَ صورةٌ فيها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015