وإنْ لم يكُنْ لازمًا بَلْ عارضًا كانَ الوجودُ لعروضِهِ لهُ علّة، فيكونُ وجوبُ الوجودِ معلولًا وهوَ مُحالٌ، فهذا الكلامُ وما أشبهَهُ ألفاظٌ فيها اشتباهٌ وإجمالٌ، فإذا كانَتْ مفرداتُ الدَّليلِ مبهمةً وتركيبُها تَركيبًا طويلًا لكثرةِ ما فيهِ مِنَ التَّقسيماتِ التي هيَ شرطيّاتٌ منفصلةٌ، ومِنَ التَّلازماتِ التي هيَ متَّصلةٌ، وغيرُ ذلكَ، عسُرَ على الذِّهنِ ضبطُ موانعِ الغلَطِ فيهِ مِنْ جنسِ حسبت لعميدي (?)، فما أشبه طريقَهم بطريقِه، لكِنَّ ذلكَ قد عُلِمَ أنَّ ما يقولُهُ باطلٌ في نفسِ الأمر، لاستلزامِهِ الجمعَ بينَ النَّقيضين، واستدلاله بالصُّورةِ الواحدةِ على كُلِّ مطلوبٍ نفيًا كَانَ أو إثباتًا، أو على كُلِّ نفيٍ أو على كُلِّ إثباتٍ، أو على جملٍ كثَيرةٍ تتناولُ الحقَّ والباطلَ. ولهذا إِنَّما يستعملُونه في مجاري الظُّنونِ الخلافيّة، وقد علمَ الفضلاءُ أنَّ كلامَهُ مِنْ جنسِ الأحاجيِّ والألغازِ التي تمتحنُ الأذهانَ وتحلُّها، وأمّا هؤلاءِ ومَنْ ضاهاهُم فيَتوهَّمونَ ويُوهِمونَ أنَّ ما يقولونَهُ براهينُ قطعيَّةٌ نفيسةٌ، وهيَ حُجَجٌ سوفسطائيّةٌ، فأفسَدُوا بها مِنَ العقولِ والأديانِ ما لا يحصيه إلَّا ربُّ البَرِيَّة، مثالُ ذلكَ أنَّ لفظَ العِلّةِ يُطلِقونَهُ على أربعِ (?) معانٍ مشهورةٍ عندَهم، وهيَ الفاعلُ والغايةُ والصُّورةُ والقابلُ، فأمّا إطلاقُها على الغايةِ المقصودةِ للفاعلِ التي هيَ مقصودُهُ ومرادُهُ بالفعل، وهذهِ العِلّةُ هيَ سابقةٌ في العِلّةِ والقصد، متأخِّرةٌ في الوجود، كالذي يشتري الطَّعامَ ليأكلَهُ، فإنَّ تصوُّرَهُ لأجلِ الأكلِ وقصدَهُ لهُ سابقٌ على اشتراءِ الطَّعام، وأمّا نفسُ الأكلِ فمتأخِّرٌ على اشتراءِ الطَّعام، ونظائرُ ذلكَ كثيرةٌ.