نفسَ الإنسانِ الموصوفِ بالإنسانيَّة، فلا ريب أنه لكُلِّ إنسانٍ إنسانيّة تخصُّهُ، وهيَ تكثرُ بتكثيرِ الأناسيِّ، لكِنْ على هذا يَبطُلُ قولُكَ: وتعلُّقُها بالمادّةِ معلولٌ ليسَ لذاتِ الإنسانيّةِ؛ فإنَّ تعلُّقَ الإنسانيّةِ بالإنسانِ ليسَ لأمر وراء كونِهِ إنسانًا، بل نفسُ الإنسانِ موجِبٌ للإنسانيّة، وإنْ عنيتَ بالمادّةِ البدَنَ الذي للإنسانِ أو عرَضًا مِنْ أعراضِ البدَنِ فليسَ البدَنُ وحدَهُ حاملًا للإنسانيّة، بَلِ البدَنُ والرُّوحُ، ولو قدِّرَ أنَّهُ البدنُ مُفردًا أو بشرطِ تعلُّقِ الرُّوحِ بهِ فحمْلُ البدَنِ للإنسانيّةِ كحَملِها لسائرِ أعراضِهِ مِنَ الطُّولِ والعَرضِ والعُمقِ، فهوَ جِسمٌ بما منهُ مِنَ الأعراضِ والصِّفاتِ، ومعلومٌ أنَّ هذهِ الصِّفاتِ تكثرُ بتكثيرِ الأبدانِ وتقلُّ بقِلَّتِها، ولا يجوزُ أنْ يكونَ لهذهِ الأعراضِ وجودٌ بدونِ محلِّها الذي قامَتْ به، ولا يقالُ: إنَّ قيامَ العرَضِ بمحليّةٍ ليسَ بذاتِهِ بل لعِلّةٍ منفصلةٍ عنهُ؛ فإنَّ العرَضَ لم يوجَدْ إلّا في محلِّه، ولولا محلُّهُ لم يكُنْ لهُ تحقُّقٌ أصلًا، ولو كانَ لهُ في الخارجِ لا وجود ولا ماهيّة فمَنْ جعلَ الإنسانيّةَ شيئًا ثابتًا في الخارجِ غيرَ ما قامَ بالإنسان، ومَنْ جعلَ تعلُّقَ الإنسانيّةِ بالإنسانِ لعلّةٍ منفصلةٍ فقَد ضلَّ، وهذا الموضعُ ممّا ضلَّتْ فيهِ عقولُ هؤلاءِ وأتباعُهم؛ حيثُ تخيَّلوا حقيقةً مطلَقةً في الخارجِ للإنسانٍ ولغيرِهِ مِنَ الأنواع، وأنَّها تقارنُ المادّةَ التي هيَ عينُ كُلِّ واحدٍ مِنَ الآدميينِ وسائرِ أفرادِ النَّوع، وأنَّهُ بسببِ تلكَ المادّةِ يتشخَّصُ النَّوعُ، ولوِ اهتدَوا لعلِمُوا، وإنَّ ما سمَّوهُ مادّةَ عينِ الشَّخص، فالسَّببُ هوَ المسبّبُ، فليسَ في الخارجِ موجودٌ غيرُ أفرادِه، فلا وجودَ لحقيقةٍ في الخارجِ غير وجودِ ما سمَّوهُ مادّةً في اصطلاحِهم هُنا هيَ المادّةُ المقرونةُ بالصُّورة، سواءٌ كانَتِ الصُّورةُ جوهرًا كصُورةِ الحيوانِ والنَّباتِ والمعادن، أو كانَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015