لو كانَ إنسانًا لذاتِهِ لما كانَ عمرٌو إنسانًا لذاتِهِ أتعنونَ بكونهِ إنسانًا إنسانيَّةً مطلَقةً مشتركةً أمْ إنسانيَّتَهُ المُعَيَّنَة.
وعلى التَّقديرينِ تَجدون (?) في ذاتِهِ مثلَ ذلكَ، فإنْ عنيتُم إنسانيّةً مِنْ حيثُ هيَ هيَ فاجعلُوا بإزائِها ذاتَهُ مِنْ حيثُما هيَ هيَ، وإنْ عنيتُم إنسانيَّتَهُ المُعَيَّنَة فاجعلُوا بإزائِها ذاتَهُ المعينةَ، فالمطلَقُ معَ المطلَق، والمعيَّنُ معَ المعيَّن، وحينئذٍ فيَبطُلُ قولكُم: لو كانَ إنسانًا لذاتِهِ لما كانَ عمرو إنسانًا لذاتِهِ؛ لأنَّ كُلًّا مِنَ الإنسانيتينِ (?) إنْ أُريدَ بها المعيَّنةُ فلَها ذاتٌ معيَّنةٌ تلازمُها في الخصوص، وإنْ أُريدَ بها المطلَقةُ فلها ذاتٌ مطلَقةٌ تلازمُها في العموم، فكُلٌّ مِنَ الإنسانِ وذواتِ الإنسانِ يتلازمانِ في العمومِ والخصوص، وإنَّما ضَللتُم مِنْ حيثُ أخذتُم إنسانيّةً معيَّنةً وذاتًا مطلَقةً، وليسَ هذا بأَولى مِنَ العكس، وهوَ أنْ توجدَ إنسانيّةٌ مطلَقةٌ وذاتٌ معيَّنةٌ، وهذا مِنْ مقابَلةِ الباطلِ بالباطلِ ونظيرِ الباطلِ بالباطل، فإذا كانَ هذا باطلًا فقولُهم هذا باطلٌ.
وكثيرًا ما يُنتفعُ بهذا النَّوع في النَّظرِ والمناظرةِ أنْ نقدِّرَ نظيرَ القولِ الذي قالَهُ الشَّخصُ، فإذا تبيَّنَ أنَّهُ باطلٌ فحُكمُ الشَّيءِ حُكمُ مثلِه، علمَ أنَّ نظيرَهُ باطلٌ، وبضربِ الأمثالِ ينكشفُ الحالُ، وقد ضربَ اللهُ الأمثالَ في كتابه لعبادِه، وهيَ مِنْ أنفعِ الأُمورِ.
الوجه الثّالث: قولُهم: كثرتِ الإنسانيّةُ بتكثيرِ المادّةِ الحاملةِ لها، وتعلُّقها بالمادّةِ معلولٌ ليسَ لذاتِ الإنسانيّةِ. يقالُ لهُ: إنْ عنيتَ بالمادّةِ