شرطِ الإطلاقِ والتَّعيينِ لا تكونُ إلَّا في الذِّهن، وأمّا التي في الخارجِ فهيَ مشروطةٌ بالتَّعيينِ.
وإنْ قالَ القائلُ: هيَ لا بشرطِ الإطلاقِ في الخارجِ قيلَ لهُ: وهيَ مع كونها لا بشرطِ الإطلاقِ في الخارجِ مشروطة بالتَّعيين، ومَنْ أثبتَها في الخارجِ منفكّةً مِنَ التَّعيينِ كما يقولُهُ أتباعُ أرِسطو كابنِ سينا والرّازي ونحوِهما؛ فهوَ بمنزلةِ مَنْ أثبتَها في الخارجِ منفكّةً عَنِ الوجود، كما يزعمُ أصحابُ أفلاطنَ، وكلاهُما خطأٌ، فليسَ في الخارجِ ماهيّة غيرُ موجودةٍ، ولا ماهيّةٌ مطلَقةٌ غيرُ معيَّنةٍ، ولا موجودٌ مطلَقٌ غيرُ معيَّنٍ، وإذا تبيَّنَ أنَّهُ ليسَ في الخارجِ ذاتٌ مطلَقةٌ لم يصِحَّ أنْ يُقالَ: إنَّهُ في الخارجِ إنسان لذاتٍ مطلَقةٍ، بَل هوَ إنسانٌ لغيرِ ذاتٍ مطلَقةٍ، وهيَ ذاتٌ معيَّنةٌ مشخَّصةٌ، وليسَ ذلكَ علّةً منفصلةً عَنْ ذاتِهِ المعيَّنةِ؛ ولهذا نتبيَّنُ خطأَهم في التَّقسيمِ كما ذكرَهُ أبو حامدٍ مِنْ غيرِ أنْ يحتاجَ أنْ يجعلَ معنى وجوبِ الوجودِ أمرًا سلبيًّا، فإنَّ ذلكَ ليسَ بجيدٍ، ولو كانَ معنى سلبيًّا فما يسلبُ عَنِ الشَّيءِ قد يكونُ لذاتِه، وقد يكونُ لعِلّةٍ غيرِ ذاتِه، فكما يجوزُ أنْ تضافَ الأُمورُ الثُّبوتيّةُ إلى هذينِ النَّوعينِ أمكنَ أنْ يُقالَ في بعضِ السَّلبيّاتِ هذينِ النَّوعين، فإنَّ استغناءَهُ عَنِ العِلّةِ إذا قيلَ: إنَّهُ لنفسِ ذاتِهِ كما أنَّ استغناءَ الرَّبِّ عمّا سواهُ لنفسِ ذاتِهِ لم يكُنْ هذا منتفِيًا، واللهُ تعالى يُوصَفُ بأوصافِ الكمال مِنْ ثبوتِ الممادحِ وانتفاءِ النَّقيض، وكِلا الصِّنفينِ وجبَ لهُ لنفسِه، فنفسُهُ تستوجبُ إثباتَ هذا وانتفاءَ هذا.
الوجه الثّاني: مِنْ بيانِ التَّلبيسِ في هذا الموضعِ أنْ يُقالَ: قولُهم: