فقَولكَ: تختلفُ بأعيانِها وتتَّفِقُ في أمرٍ مقوّمٍ لها، لفظٌ فيهِ إجمالٌ واشتباهُ، بلْ فيهِ تلبيسٌ؛ فإنَّكَ إنْ عنيتَ أنَّ كُلًّا منهُما يخالفُ الآخرَ بتعيُّنِهِ ويوافُقِهِ في أمرٍ لا يتعيَّنُ لهُ فليسَ بصحيحٍ، بَلْ كُلٌّ منهُما يتعيَّنُ لهُ ما يخالفُ فيهِ الآخرَ، وما يوافِقُهُ فيه، والذي وافقَهُ كالحيوانيّةِ تخالفُهُ في تعيينِه، فلِهذا حيوانيّةٌ وتخصُّهُ، ولهذا حيوانيّةٌ تخصُّهُ، فلا فَرقَ في التَّعيينِ والإطلاقِ بينَ ما جَعلتَهما اختلَفا فيه، وبينَ ما جعلتَهما اتَّفَقا فيه، وإنَّما يَفترقانِ مِنْ جهةِ التَّماثلِ والاختلاف، لا مِنْ جهةِ التَّعيينِ والإطلاقِ.
وإنْ عنيتَ بقولِكَ: تختلفُ بأعيانِها؛ أي: بأعيانِ النَّوعِ؛ أي: تختلفُ بالإنسانيَّةِ والفرَسيَّة، وتتَّفقُ في لازمِ ذلكَ وهيَ الحيوانيّةُ قيلَ لكَ أيضًا: إنَّما اختلَفا بإنسانيَّةٍ وفرسيَّةٍ مطلَقةٍ نوعيَّةٍ، واتَّفَقا في حيوانيّةٍ مطلَقةٍ جِنسيّةٍ، فالذي اختَلفا فيهِ ليسَ بمعين (?)، والذي اتَّفَقا فيهِ ليسَ بمُعيَّنٍ، بلْ هذا كُلِّيٌّ مطلَقٌ، وهذا مطلَقٌ كُلِّيٌّ، فلَمْ يكُنِ الفَرقُ بينَ ما اختلَفا فيهِ واتَّفَقا فيهِ مِنْ جهةِ الإطلاقِ والتَّعيين، بَل مِنْ جهةِ التَّماثُلِ والاختلاف، فليَتدبَّرِ اللَّبيبُ الفاضلُ هذا الموضعَ؛ فإنَّهُ يفتحُ بابَ المعرفةِ والتَّحقيق، ويزيلُ الضَّلالَ الذي هوَ سببُ الاشتباهِ في هذا المضيق، فإنَّ هؤلاءِ عَمدُوا إلى صفاتٍ متساويةٍ في العمومِ والخُصوص، فجَعلوا بعضها معيَّنًا خاصًّا، وبعضَها مطلَقًا عامًّا بالتَّحكُّم، وهذا عينُ الغلَط، بلْ كُلُّ شيئينِ اشترَكا في شيءٍ، وافترَقا في شيءٍ، فالفَرقُ بينَ المشترَكِ والمميَّزِ مِنْ جهةِ التَّماثُلِ والاختلافِ والمشترك بَينهما متشابه متماثل يَقتضي الجمعَ، والمميّزُ بينَهما مختلف متباين يَقتضي الفرقَ، وأمّا مِنْ جهةِ التَّعيينِ والإطلاقِ والكُلِّيِّ والجُزئيِّ والعُمومِ والخصوصِ فلا