وحُجّةُ الفلاسفةِ في التَّوحيدِ مبنيّةٌ على هذا الاشتباهِ والالتباس، فقولُ السّائلِ: الأشياءُ التي تختلفُ بأعيانِها، وتتَّفقُ في أمرٍ مقوّمٍ لها لا يخلو إمّا أنْ يكونَ ما اتَّفقَتْ فيهِ لازمًا لِما اختلفَتْ فيهِ أو بالعكسِ أو عارضًا لهُ أو بالعكسِ هوَ مِنْ هذا الباب، وقد مُثِّلَ الأوَّلُ بالأنواعِ المختلِفة، فالحقيقةُ والجِنسُ لازمٌ لها كالإنسانِ والفَرَسِ وغيرِهما؛ فإنَّها أنواعٌ مختلفةٌ والحيوانُ لازمٌ لها.
فيُقالُ: الأعيانُ لا توجَدُ إلّا بأعيانِها أنواعًا؛ إذْ ليسَ في الخارجِ نوعُ الإنسانِ مطلَقًا، ونوعُ الفرَسِ مطلَقًا، وإنَّما يوجدُ أشخاصُ النَّوعِ كما يوجدُ هذا الفرَسُ، وهذا الإنسان، وحينئذٍ فأنتَ تقولُ: الإنسانُ والفرَسُ اختلَفا بأنواعِهما، واتَّفَقا في أمرٍ لازمٍ لهما كالحيوانيّةِ مثلًا.
فيُقالُ لك: تعني بقولِكَ: اختلَفا بأعيانِهما أعيانَ أشخاصِهما، أو أعيانَ نوعِهِما، فإنْ عنيتَ عَين (?) الشَّخصين، فالذي اتَّفَقا فيهِ - وهوَ الحيوانيّةُ - يمتازُ كُلٌّ مِنهُما فيهِ عَنِ الآخرِ بتعيُّنه أيضًا، فإنَّ حيوانيّةَ هذا الإنسانِ هيَ متميِّزةٌ في عينِها عَنْ حيوانيَّةِ هذهِ الفرَس، فليسَ عينُ هذهِ عينَ هذه، فكَما أنَّ إنسانيّةَ هذا الإنسانِ مغايرةٌ بالتَّعيينِ لفرسية (?) هذهِ الفرَسِ؛ فحيوانيَّةُ هذا الإنسانِ مغايرةٌ بالتَّعيينِ لحيوانيّةِ هذهِ الفرَس، لكنَّ الحيوانيَّةَ تماثلُ الحيوانيَّةَ، والفرَسيَّةَ تخالِفُ الإنسانيَّةَ، فكُلٌّ منهما يشبهُ الآخرَ مِنْ وجهٍ، ويخالِفُهُ مِنْ وجهٍ، وفي كُلٍّ منهُما صفةٌ يشابهُ بها الآخرَ، وفيهِ صفةٌ يخالفُ بها الآخرَ.