المشرق) ، وانطلق في بيان وجه التناظر والموازنة بين المشرق والمغرب في البقاع الجغرافية، ورأى أن المناظرة بينهما تحتمل كتابا، صنفه في بلاد الشام حين رأى من شدة اتحاد المشارقة على المغاربة، سماه (الشهب الثاقبة في الإنصاف بين المشارقة والمغاربة) ، واستشهد بقول البيهقي في المشرق وفضله: (وكل شيء يفخر به فإن المشرق فيه للمغرب رأس) ، وذكر ما قاله ابن سعيد في المشرق والمغرب من فضائل ومظاهر اجتماعية وحضارية، ومآكل ومشارب ومراكب ومجالس، وغير ذلك من عادات وتقاليد مغربية ومشرقية، متفاوتة ومتباينة، وقد استشهد ابن سعيد بقول بعض شعراء المغرب للمشارقة:
نراح لفضل أن يكون لديكم ... فما لكم تأبون إن كان عندنا
وإن كنتم في العد أكثر مفخرا ... فلا تظلمونا في القليل الذي لنا
وبعد هذا انبرى ابن فضل الله العمري ينقض أكثر ما ذكره ابن سعيد، موازنا بين المشرق والمغرب في الملبس والمركب، والخدم والمأكل والمشرب، وفي الطهاة وأنواع المآكل والطيب وأمر الرفاهية، وتوظيف الوظائف، وترتيب طبقات الخدم.. الذي لم يخرج إلا من المشرق، ورد على ابن سعيد في اتهام المشارقة بخلف الوعد، ونبذ الحقوق بما فعله ابن تاشفين (- 500 هـ) ملك المغرب مع المعتمد بن عباد (431- 488 هـ) الذي كانت له يد عليه، وما آلت إليه حاله ممثلة بشعره، إذ يقول:
تبدلت من ظل عز البنود ... بذل الحديد وثقل القيود
وكان حديدي سنانا ذليقا ... وعضبا رقيقا صقيل الحديد
وقد صار ذاك وذا أدهما ... يعض بساقي عض الأسود
ووجه العمري أكثر ما استشهد به ابن سعيد لصالح المغرب ليصبح إقرارا منه