من علم، وفنّ، نجد مصداق هذا في كتابه [مسالك عبّاد الصليب] الذي" وصف فيه ملوك الإفرنج في عصره ... فوصف ممالك فرنسا وألمانيا، وأحوالهما السياسية والاجتماعية، وفعل نحو ذلك في البنادقة والإيطاليين وأهل جنوة، وبين علائقهم بالمسلمين" «1» ، يضاف إلى هذا معرفته الدقيقة بتاريخ المغول، والهند، والأتراك وأحوالهم السياسية والاجتماعية. ونعتقد أن اهتمامه بأحوال ذلك [الآخر] نابع من ظمئه العلمي الذي لا يعرف الحدود، كما أنّ هذا [الآخر] قد أصبح قريبا جدا منه وخصوصا بعد الحروب الصليبية التي استغرقت وقتا طويلا، واجتياح المغول الشرق، وتقويضهم الخلافة العباسية ببغداد، فلم يكن له وهو العالم الثبت، والأديب المتميّز القريب من السلطة، أقول لم يكن له بعد هذا أن يقف بمعزل عن تلك التيارات الفكرية التي كانت تموج بها ديار الإسلام ويشكّل ذلك [الآخر] رافدا بل روافد مهمّة فيها.
- 2- ترجم العمري في هذا السفر لتسعة وأربعين شاعرا، افتتحه بأبي الطيب المتنبي وختمه بابن الهبّارية، وتطول الترجمات، أو تقصر حسب مكانة الشاعر، وتوفّر المادة الشعرية بين يدي المصنّف، وهو يتبع في كتابه منهجا واحدا لا يحيد عنه، إذ يقدّم للشعر المختار بمقدمة من إنشائه يتبعها بالشعر، فإذا كان الشاعر ذا حظّ من النثر أيضا قدّم شيئا من رسائله، أو قطعه النثرية. وقد رصدنا بعض الملاحظات التي انتظمت التراجم جميعها، ويمكن تلخيصها على الهيئة الآتية:-
1- يولي العمري اهتماما ملحوظا بالشعر لا بالشاعر بحيث تطغى المادة الشعرية على السّفر كلّه، ويمكن القول بشيء قليل من الاحتراز إنّ هذا السّفر أقرب إلى كتب [الاختيارات الشعرية] منه إلى كتب التراجم، فهو أقرب إلى المفضليات، والأصمعيات والحماسات منه إلى وفيات الأعيان، ومعجم الأدباء، وفوات الوفيات، وإن خطط له صاحبه ليكون كتاب تراجم، فهو بمحتواه العام لا يؤدي ذلك المعنى بل يقدّم جمهرة واسعة من