الشعر على حساب التراجم وشروطها.
2- إنّ هذا الأمر يقودنا إلى الإلماع إلى مصادره التي اعتمد عليها في تحرير ترجماته فمن الممكن القول إنّه اعتمد على الكثير من الدواوين والمجاميع الشعرية، والقليل من المصادر الأخرى ككتب التراجم مثلا فالمادة الشعرية الضخمة التي حواها بين دفتيه هي نتيجة الاتكاء على مكتبة شعرية كبيرة ضمت عشرات الدواوين بحيث مكنّه هذا من الانتقاء، والاختيار، بينما لا تتجاوز مصادره الأخرى ثلاثة كتب ذكرها صراحة هي يتيمة الدهر للثعالبي، وخريدة القصر للعماد الأصفهاني، ووفيات الأعيان لابن خلكان، وهو لا ينقل من تلك الكتب- على قلّتها- سوى الشذرة التي تشير، والحسوة التي لا تروي، وهذا معلوم واضح فغايته الشعر فليتخّذ له أهبته، ويهيّئ له أدواته، وقد فعل.
3- يعمد العمري إلى اصطفاء [العيون] من شعر الشاعر على وفق الذوقين الخاص، والعام فكثير ممّا هو ذائع مشهور من الشعر نجده في ثنايا التراجم ممّا يشير إلى مجاراته الذوق العام، أمّا ذوقه الخاص فيتمثّل في إكثاره من شعر الطبيعة، والغزل، والخمر، ولا ينسى الحكمة، غير أنّ أمرا آخر كان ماثلا في ذهنه، وحاضرا في تصوّره وهو يختار، ونعني به جوهر الشعر وهو [الصورة] ، فما أكثر الأبيات، والقطع التي أثبتها وهي تجمل في تضاعيفها استعارة بديعة، أو تشبيها متميزا، أو كناية ذات دلالة، بالإضافة إلى ذلك التلوين الأسلوبي الذي قدّمه بعض الشعر من التفات. أو استفهام. أو أمر، تلك التلاوين التي أغنت مبحث الإنشاء في البلاغة العربية. لقد كان العمري- في الغالب- وفيّا لمتطلبات الفنّ وهو يختار، وكأنّه قد أفاد من سابقيه وفتح الباب عريضا لمن جاء بعده، وحقّق تلك المقولة الرائدة: اختيار الرجل قطعة من عقله، وأحسب أنّه قد نال نصيبا وافرا من العقل ونجاح الاختيار على حدّ سواء.
4- ويبدو أنّ غزارة المادة الشعرية التي تعامل معها العمري في هذا السّفر قد دعته إلى أن ينسب القطعة الواحدة إلى شاعرين، وخصوصا أولئك الشعراء المتعاصرين الذين طرقوا موضوعات متقاربة مثل وصف الطبيعة، أو الغزل، أو الخمريات، فهو يغفل الإشارة أو التنبيه