- 1- هذا هو السفر الخامس عشر من تلك الموسوعة الكبرى التي صنفّها شهاب الدين، أحمد ابن يحيى بن فضل الله العمري. ومسماها (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) ، وينتمي هذا الكتاب إلى تلك المرحلة التي اصطلح عليها دارسو الأدب بالمرحلة المتأخرة، وكانت لهم فيها آراء مختلفة وقفت عندها في مقدمة تحقيقي مقدّمة كتاب (الدرّ الفريد وبيت القصيد) لمحمد بن أيدمر المستعصمي، وخلاصة الأمر أنّ هذه المرحلة بحاجة إلى (إعادة قراءة) بحيث تضعها في مكانها الموضوعي الحقّ بعيدا عن النعوت المتسرّعة، والألقاب غير المنهجية.
ويعجب المرء وهو يتابع حياة العمري، ومسرد مؤلفاته كيف تسنّى له أن يرفد المكتبة العربية بهذا النتاج العلمي الغزير في سنيّ حياته القصيرة التي لم تبلغ الخمسين عدّا، فقد ولد سنة 700 للهجرة، وتوفي سنة 749 للهجرة في أصحّ الأقوال، فإذا أضفنا إلى هذا انشغاله بالحياة العامة من حيث عمله مع والده في ديوان الإنشاء بدمشق، واتصاله المباشر بالملك الناصر إذ" صار يقرأ البريد له، وينفذ المهمات" «1» ، أقول إذا تأمّلنا هذا كلّه أدركنا أنّ العمري كان منصرفا بكلّيته إلى التحصيل، والدرس، والتأليف وخصوصا حين يبتعد عن الدنيا وشواغلها، فهذا هو التفسير المنطقي الذي يحلّ تلك الإشكالية: قصر العمر وغزارة التأليف.
وحين نعود إلى تصانيفه نجد أنّ من يترجم له يقدّم مسردا بستة عشر كتابا عدا (مسالك الأبصار) ، وواحد من هذه الكتب يقع بمجلدات هو [فواضل السّمر في فضائل آل عمر] الذي يقع بأربعة مجلدات، وهي تشير بمجموعها إلى حقول معرفية متنوعة عالجتها تلك الكتب مثل الأدب، والتاريخ، والبلدان، وصناعة الإنشاء، وغيرها، ولم يكتف العمري بما بين يديه من تراث عربي ضخم يجول في جنباته بل رنا بعيون قوية إلى ما لدى [الآخر]