وسعوا بيننا بالصّلح، يحكمون قواعده ومعاقده، وعرفنا له فضل السّنّ، فقصدناه معتذرين إليه، فأومى إيماءة مهيضة، واهتزّ اهتزازة مغيضة، وأشار إشارة مريضة، بكفّ سحبها على الهواء، ويد بسطها في الجو بسطا؛ وعلمنا أن للمقمور أن يستخفّ ويستهين، وللقامر أن يحتمل ويلين؛ فقلنا: إنّ بعد الكدر صفوا، كما إنّ عقب المطر صحوا، فهل لك في خلق في العشرة نستأنفها، وطرق في الخلطة نسلكها؛ فإنّ ثمرة الخلاف ما قد بلوتها؟ فقال: ظهر الوفاق أوطأ كما ذكرت، والجميل أجمل كما علمت، وسنشترك في هذا العنان؛ وعرض علينا الإقامة عنده سحابة ذلك اليوم، فاعتللنا بالصّوم، فلم يقبل العذر، وألحّ؛ فقلت:

أنت وذاك؛ فطعمنا عنده، وأخذنا ديدان مرده «1» ، وخرجنا والنّية على الجميل موفورة، وتبعة الودّ معمورة، وصرنا لا نتعلل إلا بمدحه، ولا نتنقل إلا بذكره، ولا نعتدّ إلا بودّه، لا بل ملأنا البلد شكرا، والأسماع نشرا، وبتنا نحن من الحال في أعذبها شرعة، ومن الثقة في أطيبها جرعة، ومن الظّنون في أفلجها قرعة، ومن المودة في أعمرها بقعة، وأوسعها رقعة؛ حتى طرأ علينا رسولان متحمّلان لمقالته، مؤديان لرسالته، ذاكران بأنّ أبا بكر يقول: قد تواترت الأخبار، وتظاهرت الآثار في أنك قهرت وأني قهرت، ولا شك أنّ ذاك التّواتر عنك صدرت أوائله، والخبر إذا تواتر به النّقل، قبله العقل؛ ولابدّ أن نجتمع في مجلس بعض الرؤساء، فنتناظر بمشهد الخاصة والعامة، فإنك متى لم تفعل ذلك لم آمن عليك تلامذتي، أو تقرّ بعجزك وقصورك عن بلوغ أمدي ومنال يدي؛ فعجبت كل العجب مما سمعت، وأجبت فقلت: أما قولك: قد تواتر الخبر بأنك قهرت، وأنّ ذلك عن جهتي صدر، ومن لساني سمع؛ فبالله ما أتمدح بقهرك، ولا أتبجج بقسرك؛ وإنّ لنفسك عندنا لشأنا إن ظننتني أقف هذا الموقف، أنا إن شاء الله أبعد من ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015