خرج في برج، لأخذك من النعال ما قدم وما حدث، وشملك من الصّفع ما طاب وخبث؛ وأنشدت قول ابن الرّومي «1» : [المجتث]
إن كان شيخا سفيها ... يفوق كلّ سفيه
فقد أصاب شبيها ... له وفوق الشّبيه
ثم لما أبت نفس العقل، وزال سكر الغيظ، تمثّلت بقول القائل «2» : [الطويل]
وأنزلني طول النّوى دار غربة ... إذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله
أجامعه حتّى يقال سجيّة ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
ودفع القوال فبدأ بأبيات، ولحّن بأصوات، وجعل النّعاس يثني الرءوس، ويمنع الجلوس؛ فقمنا عن اللّيل وهو يجرّ بعاع الذّقن، إلى ما وطّئ من مضجع، ومهّد من مهجع؛ ولم يكن النوم ملأ الجفون، ولا شغل العيون، حتى أقبل وفد الصّباح، وحيعل المؤذّن بالفلاح، وندب بالنّهوض إلى المفروض، وأجبنا؛ فلمّا قضينا الفرض، فارقنا الأرض، فآوى إلى مثواه، وأويت إلى الحجرة، وظني أنّ هذا الفاضل يأكل يده ندما، ويبكي على ما جرى دمعا ودما؛ فإنّه إذا سمع بحديث همذان، قال: الهاء همّ، والميم موت، والذّال ذل، والألف آفة، والنّون ندامة؛ وإنّه إذا نام هاله منّا طيف، وإذا انتبه راعه منّا سيف؛ وأخذ النّاس يترامزون بما جرى ويتغامزون، وراب هذا الفاضل غمزاتهم، مثلما راب المريض تغامز العوّاد؛ فجعل يحلف للنّاس بالعتق، وتحرير الرّقّ، والمكتوب في الرّقّ، أنه أخذ قصب السبق، وأنه ينطق عن الحقّ؛ والناس أكياس، لا يقنعهم عن المدّعي يمين دون شاهدين