وملت إلى القوّال وهو أبو بكر أحمد بن عبد الله الشّاذياخيّ، فقلت: أسمعنا خيرا؛ فدفع القوّال وغنّى أبياتا، فيها «1» : [الوافر]
وشبهنا بنفسج عارضيه ... بقايا اللّطم في الخدّ الرّقيق
فقال أبو بكر: يا قوم، أحسن ما في هذا الأمر، أنّي أحفظ هذه القصيدة وهو لا يعرفها؛ فقلت: يا عافاك [الله] ، أعرفها، وإن أنشدتكها ساءك مسموعها، ولم يسرك مصنوعها؛ فقال: أنشد؛ فقلت: أنشد، لكنّ روايتي تخالف هذه الرّواية؛ وأنشدت: [الوافر]
وشبّهنا بنفسج عارضيه ... بقايا الوشم في الوجه الصّفيق
فأتته السّكتة، وأضجرته النّكتة، وانطفأت تلك الوقدة، وانحلت تلك العقدة، وأطرق مليا، وقال: والله لأضربنك وإن ضربت، ولأشتمنّك وإن شتمت، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ
«2» ولتعلمنّ أيّنا الضارب وأيّنا المضروب.
وقلت: يا أبا بكر مهلا، فإنّك بين ثلاثة فصول لم تتخطّها من عمرك، وثلاث أحوال لم تتعدّها «3» في أمرك؛ وأنت في جميع الثلاثة ظالم في وعيدك، متعدّ في تهديدك؛ لأنك كهل وأنت شاعر، وكنت شابا وأنت مقامر، وكنت صبيا وأنت مؤاجر؛ فنطاق القدرة في الثلاثة الفصول ضيق عن هذا الوعيد؛ لكنّا نصفعك الآن، وتضربنا فيما بعد، فقد قيل: اليوم قصف، وغدا خسف؛ وقيل:
اليوم خمر، وغدا أمر «4» ؛ فقال أبو بكر: والله لو أنّك دخلت الجنة، واتخذت السندس والإستبرق جنّة، لصفعت؛ فقلت: والله لو أن قفاك غدا في درج في