بما رآه، ولم نرض إلّا رضاه، ولم نعدل عن هواه ومبتغاه؛ وأعمل كلّ منّا لسانه وفمه، وأخذ دواته وقلمه، وأجزنا البيت الذي قاله، وكلّما أجزناه إجازة، جارى القلم فيها الطّبع، وبارى اللّسان بها السمع، وسارق الخاطر بها النّاظر، وسابق الجنان فيها البنان؛ إلى أن قلنا «1» : [الكامل]
هذا الأديب على تعسّف فتكه ... وبروكه عند القريض ببركه
متسرّع في كلّ ما يعتاده ... من نظمه، متباطئ عن تركه
والشعر أبعد مذهبا ومصاعدا ... من أن يكون مطيعه في فكّه
والنّظم بحر والخواطر معبر ... فانظر إلى بحر القريض وفلكه
فمتى توانى في القريض مقصر ... عرضت أذن الامتحان لعركه
هذا الشّريف على تقدّم بيته ... في المكرمات ورفعه في سمكه
قد رام منّي أن أقارن مثله ... وأنا القرين السّوء إن لم أنكه
وإذا نظرت وجدت ما قد قلته ... برد اليقين على حرارة شكّه
عارضت بيتا قلته متعسّفا ... وحطمت جانحة القرين بدكّه
ودبغت منه أديمه فتركته ... نهج الأديم بدبغه وبدلكه
اصغوا إلى الشّعر الذي نظّمته ... كالدّرّ رصّع في مجرّة سلكه
فمتى عجزت عن القرين بديهة ... فدمي الحرام له إراقة سفكه
فقال أبو بكر أبياتا جهدنا به أن يخرجها عن اللّحاف، ويبرزها من الغلاف، فلم يفعل دون أن طواها، وجعل يفركها ويعركها، فقلت: يا هذا، إنّ البيت لقائله كالولد لناجله، فما لك تعقّ ابنك وتضيمه؟ أبرزها للعيون، وخلّصها من الظّنون؛ فكره أبو بكر أيده الله أن تكون الهرّة أعقل منه، لأنها تحدث وتغطي،