مكانك، وطار به اسمك بعد وقوعه، وارتفع له ذكرك عقب خضوعه، وأفحمت به الرّجال، حتى أذعن العالم وقلّد الجاهل، وقالوا قول الصّوفيّة: يا دهشا كلّه؛ فجارنا بفرسك، وطاولنا بنفسك؛ فقال: وما هو؟ قلت: الحفظ إن شئت، والنّظم إن أردت، والنّثر إن اخترت، والبديهة إن نشطت؛ فهذه أبوابك التي أنت فيها ابن دعواك، تملأ منها فاك.
فأحجم عن الحفظ رأسا، ولم يجل فيه قدحا، وقال: أبادهك؛ فقلت: أنت وذاك؛ فمال إلى السيد أبي الحسين فسأله بيتا ليجيز، فقلت: يا هذا، أنا أكفيك؛ ثم تناولت جزءا فيه أشعاره، وقلت لمن حضر: هذا شعر أبي بكر الذي كدّ به طبعه، وأسهر له جفنه، وأجال فيه فكره، وأنفق فيه عمره، واستنزف فيه يومه، ودوّنه صحيفة مآثره، وجعله ترجمان محاسنه، وعبر به عن باطنه، وأخذ مكانه به، وهو ثلاثون بيتا؛ وسأقرن كلّ بيت بوفقه، وأنظم كل معنى إلى لفقه، بحيث أصيب أغراضه، ولا أعيد ألفاظه، وشريطتي ألا أقطع النفس؛ فإن تهيأ لواحد، أو أمكن لناقد ممن قد حضر، يريد النظر، أن يميز قوله من قولي، ويحكم على البيت أنه له أو لي، أو يرجّح ما أنضجه بنار الرويّة، على ما أمليته على لسان النّفس، فله يد السبق، أو يكون غيرها، فأعفى عن هذه المعارضة، وتتنحّى لنا عن أرض المماثلة، ويخلى لنا الطّريق لمن يبني المناربه؛ فقال أبو بكر:
ما الذي يؤمننا من أن تكون نظمت من قبل ما تريد إنشاده الآن؟ فقلت: اقترح لكلّ بيت قافية، لا أسوقه إلّا إليها، ولا أقف به إلا عليها؛ ومثال ذلك أن تقول:
حشر؛ فأقول بيتا آخره حشر، ثم عشر فأنظم بيتا قافيته عشر، ثم هلمّ جرا إلى حيث يتضح الحقّ، وينتضح الزّرق، وتستقر الحجة وتطرد، وتستقلّ الشّبهة وتنطرد، فيعرف الحالي من العاطل، ويفرق بين الحقّ والباطل؛ فأبى أبو بكر أن يشاركنا هذا العنان، ومال إلى السيد أبي الحسين يسأله بيتا ليجيز، فتبعنا رأيه