لو قال متنطع: لا يوجد شرك في هذه الأمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الشيطان قد أيس أن يعبد في جزيرة العرب)، وإذا أيس من الشرك بقيت له المعاصي فقط.
والرد على هذا الكلام أن يقال: هذا الحديث حديث مختلف في إسناده، فبعض رواته حديثهم حسن، وبعضهم ضعفاء، فالضعف فيه محتمل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد وجد عمران بن حصين وعليه حلق من حديد فقال له: (ما هذه؟ قال: هذه من الواهنة -يعني: هذه تدفع عني الوهن، هذا مع أنه تربى على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهناً، ثم قال له: فإن مت وهي عليك ما أفلحت أبداً) فنفى عنه الفلاح، وأيضاً قال بعض الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر إنها السنن، قلتم ما قال أصحاب موسى لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة)، فكيف يقول أحد: أنه لا يوجد شرك في هذه الأمة؟! وقد قلنا: إن الاعتقاد في الخرز أنها تدفع الضر وتجلب المنفعة، أنه شرك في الربوبية كما بينا، وهو أيضاً شرك في الإلهية، فهو قد أشرك في الربوبية لأنه اعتقد في الجمادات ما لا يعتقد إلا في الله، وهذا اعتقد في الخرز والنعل دفع الضر وجلب النفع، وذلك لا يكون إلا لله، فهذا الوجه الأول لكون هذا العمل شركاً، وشرك الربوبية يستلزم الشرك في الألوهية.
والوجه الثاني: أن التوكل على غير الله جل في علاه يعتبر شركاً، والتوكل أمر خفي، إذ أن المرء إذا تعلق قلبه بغير الله فقد توكل على غير الله جل في علاه، حيث يخاف من غير الله جل في علاه، أو يرجو غير الله جل في علاه، وإذا علق التميمة وقلبه معلق بها ونزعت فسيكون خائفاً وجلاً؛ لأن المانع له من هذه الأخطار قد نزع، وهذا تعلق للقلب بغير الله جل في علاه.
إذاً: الوجه الأول: استلزام الربوبية للإلهية، والوجه الثاني: تعلق القلب بغير الله جل في علاه.
فإن اعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، فقد أشرك شركاً أكبر، وأما إذا كان يعتقد أن الله هو النافع والضار، وأن الذي يجلب الخيرو يدفع الضر هو الله، وإنما وضع هذه الخرزة أو نحوها لدفع العين ودفع المرض، فيكون شركاً أصغر؛ لأنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله جل في علاه لا شرعاً ولا قدراً، فكونه اتخذ سبباً لم يجعله الله سبباً، ولم يشرعه الله جل في علاه سبباً، فكأنه أشرك مع الله غيره، ولكن هذا شرك أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر، ولقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، وكثير من الناس إن لم يكونوا كلهم يفعلون ذلك، فيميلون ميلاً لهذه التمائم والرقى، وسنبين أن القلب أيضاً يميل لتمائم من القرآن، فالأمة تدور إما بين شرك أكبر أو شرك أصغر، وإن كان الشرك الأكبر منتفٍ؛ لأننا لا يمكن أن نظن في مسلم أنه يعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، بل إن العامي الذي يعلق التميمة على الولد الصغير لو قلت له: هل هذه تنفع وتضر؟ لقال: إن النافع الضار هو الله، لكننا وجدنا من قبلنا يقولون: إن هذه سبب لدفع البلاء واستجلاب النفع، ولذلك فإنهم غارقون في الشرك الأصغر.