العلاقة بين الفأل والطيرة والفرق بينهما

هناك علاقة بين الفأل وبين الطيرة، فهما يتفقان ويفترقان، فيتفقان في الهمة بالتحريك والدفع، فالطيرة تدفع والفأل كذلك يدفع، لكن الفأل مأمور به محثوث عليه والطيرة لا، فهذا الاتفاق بينهما أنه يمضي المرء أو يرد المرء بالفأل وبالطيرة، والافتراق في أمور كثيرة، منها: الأمر الأول: أن الفأل الحسن مأمور به شرعاً، قال النبي صلى الله عليه وسلم (يعجبني الفأل)، وأما الطيرة فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ونحن ندور مع الشرع حيث دار، فأنت مربوب لربك، وعابد لله جل في علاه، تقول: سمعت وأطعت واستسلمت لأوامر الله، والله مدح إبراهيم باستسلامه التام لأوامر الله، قال الله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة:131] كأن الله جل وعلا قال لإبراهيم: استسلم لأوامري، فقال استسلمت، فمدحه الله جل في علاه لذلك.

إذاًً: فمحض العبودية أن تستسلم استسلاماً تاماً لله جل في علاه، فتعلم أن الشرع قد أباح الفأل، فتقول: آمنت بالفأل سبباً وأعتقد اعتقاداً جازماً في ربي.

ونهى الشرع عن الطيرة فتقول: قد حرمت الطيرة على نفسي؛ لأن الشرع قد حرمها.

الأمر الثاني: أن الفأل من باب حسن الظن بالله، وحسن الظن بالله أمر الله جل في علاه به، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه)، وفي مسند أحمد بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: (أنا عند ظن عبدي بي، فإن ظن خيراً فله) فحسن الظن بالله من أتم العبادات التي يتقرب بها العبد إلى الله جل في علاه.

أما الطيرة فهي سوء ظن بالله، وسوء الظن بالله إن لم يصل إلى الشرك الأكبر فهو من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ} [الفتح:6] وقال: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} [آل عمران:154] وقال النبي صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: (فمن ظن بي خيراً فله ومن ظن بي شراً فله) يعني: عليه ذلك الظن.

إذاً: حسن الظن بالله جل في علاه من باب الفأل، والطيرة من باب سوء الظن بالله جل في علاه.

الأمر الثالث: أن الفأل وسيلة إلى التوحيد الكامل لله جل في علاه فهو وسيلة إلى كمال التوحيد؛ لأنه وسيلة إلى تمام التوكل على الله جل في علاه والاطمئنان إليه سبحانه، كما قال الحسن البصري: علمت أن رزقي بيد ربي ولن يذهب لغيري، فاطمأن قلبي.

يعني: علم أن ربه هو الذي يدبر شئونه وأموره، فاطمأن قلبه لله جل في علاه.

إذاً: هو وسيلة إلى كمال التوحيد.

أما الطيرة فهي وسيلة إلى الشرك؛ لأن بها ضعفَ التوكل على الله جل في علاه، وبها يتسخط المرء على أقدار الله جل في علاه، وبها يصل المرء إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله.

الأمر الرابع: أن الفأل يدخل السرور على المرء وهذا أصل شرعي، والأصل منبثق من حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من أفضل العبادات سرور تدخله على مسلم) بأن تقضي له حاجته أو دينه، أو تنفس له كربته، فهذه من أفضل الطاعات التي تتقرب بها إلى الله جل في علاه.

إذاً: الفأل فيه إدخال السرور على المسلم وهذا أمرٌ محسوس، أما الطيرة ففيها إدخال الهم والحزن على المرء، فيصل بالمرء إلى التسخط على أقدار الله جل في علاه، وهو منبوذ شرعاً؛ ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ منه ويقول: (أعوذ بك من الهم والحزن).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015