استتابة الساحر وحكم توبته

لو أن رجلاً كان يتعلم السحر من الشياطين، ويتعاطى السحر باستخدام الشياطين، فتاب إلى ربه هل تقبل توبته أو لا تقبل؟ اختلف العلماء في ذلك على أقوال: القول الأول: لا تقبل توبته، وهذا ظاهر فعل الصحابة رضوان الله عليهم، فإن عمر بن الخطاب أمر بقتل السواحر فقتل ثلاث سواحر.

وأيضاً: قتلت حفصة الجارية التي سحرتها دون أن تستتيبها، وهذا هو الذي عليه الأئمة الثلاثة: الإمام أحمد والإمام مالك والإمام أبي حنيفة، فقالوا: إن قتل الساحر من منع الفساد المستشري في الأرض؛ لأن فساد السحر فساد عام على هذه الأمة فلا بد من قطع وبتر هذا الفساد دون استتابة، وهذا فعل الصحابة.

القول الثاني: قول الشافعية وهو رواية عن أحمد أنه يستتاب، وهذا هو مقصود الشرع.

القول الثالث: هو قول لـ مالك: فرَّقَ فيه بين أن يتوب بعد أن يقدر عليه وقبل أن يقدر عليه، فإن تاب بعد أن نقدر عليه فإنه لا يستتاب بل يقتل، وأما إذا تاب قبل أن نقدر عليه قبلت توبته ولا يقام عليه الحد.

وثمر الخلاف هي: أنه إذا تاب قبلت منه التوبة وأسقط عنه القتل وهذا قول الشافعي، وإن لم يتب فإنه يقتل على قول الأئمة الثلاثة.

والصحيح الراجح في ذلك، والذي يدل عليه التأصيل العلمي: هو أنه يستتاب؛ لأن الشرع يتشوف لإسلام الكافر، فإن الله سبحانه وتعالى ما أنزل الكتب إلا لدعوة الكافرين للدخول في الإسلام.

وأما النظر فيقضي بأن يرجع الأمر لولي الأمر، وولي الأمر ينظر المصلحة في ذلك، فإن كان الساحر يعرف عنه الزندقة وأنه سيفسد في الأرض أكثر مما يصلح فإنه يقتله بلا استتابة.

وأما إذا علم صدق نية الساحر، وعلم أنه لن يفسد في الأرض بعد ذلك ففتح باب التوبة أولى له، وهذا هو الراجح الصحيح.

والدليل على أن من استخدم الشياطين فإنه يقتل ردة قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (من بدل دينه فافتلوه).

وأما دليل على أن من لم يستخدم الشياطين فإنه يقتل حداً قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة:33].

فهو بهذا الدليل يقتل حداً؛ تعظيماً لفعل الصحابة رضوان الله عليهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015