إذا عرفنا السحر وبينا أنه شيء خفي فإن حكم السحر على العموم هو الكفر، والأدلة على ذلك مجملة في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: الأدلة من كتاب الله التي تثبت أن السحر كفر.
قال الله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102].
وقال الله تعالى: {قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ} [يونس:77].
وقال جل في علاه: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69].
ثانياً: الأدلة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها السحر).
ووجه الدلالة من قوله تعالى: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69] هو أن الفلاح مرتبط بالمؤمنين، فإذا نفى الله الفلاح عن أحد دل على أنه ليس من المؤمنين، والدليل على أن الفلاح مرتبط بالمؤمنين والثبور والهلاك مرتبط بالكافرين قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1]، وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى:14]، وقوله جل وعلا: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] فقد ربط الفلاح بالإيمان.
وقوله عن الكافرين: {لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان:14]، وقوله: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} [النبأ:40]، وقوله: {إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [المؤمنون:117].
ولما نفى الله سبحانه وتعالى الفلاح عن الساحر بقوله: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69] دل ذلك على أن له الهلاك، فهو من الكافرين.
ووجه الدلالة من قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [البقرة:102] على أن السحر كفر هو أن الله كفر الشياطين، والعلة: أنهم يعلمون الناس السحر.
وأيضاً ذكر الله عنهم أنهم يقولون لمن أراد أن يتعلم السحر: ((فَلا تَكْفُرْ)) أي: إذا تعلمت السحر فإنك ستكفر، وفي هذا تصريح بأن السحر كفر.
وأيضاً قال الله عن الذي يتعاطى السحر: {مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102] أي: ليس له نصيب في الآخرة، والذي ليس له نصيب من الخير في الآخرة هو الكافر، فهذه دلالة على أن السحر كفر.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات: الإشراك بالله، والسحر)، وهذه دلالة اقتران، ودلالة الاقتران ضعيفة لكن القرائن المحتفة أثبتت صحتها؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة أثبتت كفره.
إذاً: فالسحر حكمه الكفر.
لكن هل هو كفر أكبر أم كفر أصغر؟ نرجع إلى التأصيل الذي أصلناه في أن السحر نوعان: سحر يُستخدم فيه الشياطين، وسحر يستخدم فيه خفة اليد، فالسحر الذي يستخدم فيه الشياطين كفر أكبر مخرج من الملة؛ لأن الشيطان لا يمكن أن يمتع ابن آدم في أن يخرق له العادات إلا إذا قدم له القرابين، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام:128] فاستمتاع الإنسي بالجني أن يجعل له خوارق العادات، واستمتاع الجني بالإنسي أن يقرب له قرابين كأن يذبح له من دون الله جل في علاه، أو ينذر له، أو يسجد له، أو يهين المصحف، وهذا موجود ومشاهد بين السحرة، فهم يكفرون بالله بهذه الأفعال الخبيثة.
إذاً: فهذا النوع كفر أكبر مخرج من الملة بإجماع الأئمة الأربعة: أحمد والشافعي ومالك وأبي حنيفة.
وأما النوع الثاني: وهو نوع التخييل وسحر الأعين؛ فهذا كفر دون كفر وليس بكفر أكبر على قول الشافعي.
وأما الأئمة الثلاثة أحمد ومالك وأبي حنيفة فقد قالوا: بأنه يكفر كفراً مخرجاً من الملة؛ لأن الآيات أثبتت عموم كفر الساحر، فإن الله كفر من يخيل ويسحر العين.
قال الله عن سحرة فرعون: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف:116]، ومع ذلك كفرهم الله سبحانه وتعالى.
وقال الله جل وعلا لموسى: {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه:69]، وهذه واقعة عين، فهو يتكلم عنهم ثم عن كفرهم بالله سبحانه وتعالى، ثم إيمانهم بعد ذلك، فقالوا: وهذا على العموم.
وأما الشافعية فيقولون: إذا كان السحر الذي يستخدمه الساحر سحر تخييل وسحر أعين وليس فيه استخدام للشيطان فإنه ليس بكفر، ولا يكفر صاحبه؛ لأنه لم يأت بكفر إلا أن يكون قد استحل، فإن استحل فهو كافر، وهذا أمر متفق عليه.
وأجابوا عن هذه الآية التي كفر الله فيها سحرة فرعون مع أنهم سحروا أعين الناس، بأن هؤلاء السحرة أصالة كانوا يكفرون بالله، ويؤمنون بربوبية فرعون: {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء:44] فكفرهم أصلي، لكن المسلم إذا استخدم سحر الأعين لا يكفر بذلك كفراً يخرجه من الملة، والصحيح الراجح التفريق الذي فرقه الشافعي خلافاً للأئمة الثلاثة وهو أن السحر نوعان: سحر يستخدم صاحبه الشياطين، فهذا كفر يخرج من الملة.
وأما الآخر الذي يستخدم فيه خفة اليد أو سحر الأعين فهذا لا يكفر، ويكون على شفير هلكة، وهو كفر دون كفر؛ لأنه ذريعة إلى الكفر الأكبر.