أيضاً من هذه الصور: أهل التعطيل الذين عطلوا أسماء الله وصفاته، ويرون أن الذين يعتقدون الاعتقاد الصحيح في ربهم جل في علاه أنهم مجسمة ومشبهة وكفرة.
فمن قال بأن لله يداً تصديقاً بقول الله سبحانه: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:10]، أو قال: لله ساق كما قال الله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ} [القلم:42]، أو قال: لله عين كما قال الله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14]، أو أثبت لله نزولاً يليق بجلاله وكماله، أو أثبت بأن الله جل في علاه استوى على العرش، وأثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته رسوله، فإنهم يقولون عنه: مشبه، وأنه شبه الخالق بالمخلوق، وأن هذا هو محض الكفر.
فجعلوا الباطل حقاً والحق باطلاً، والتوحيد شركاً والشرك توحيداً، وهذه من سمات أهل الجاهلية.
والمعطلة فرقتان: الفرقة الأولى: الجهمية، وهم يرون أن أهل السنة والجماعة حشوية مشبهة، وأنهم على كفر مبين، وذلك لأنهم شبهوا الخالق بالمخلوق، وقالوا: إن لله يداً وللعبد يداً إذاً فيلزم من ذلك أن يد الله شبيهة بيد العبد، فشبهتم الخالق بالمخلوق.
والجواب عليهم هو أن يقال لهم: أأنتم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي وصف ربه بأن له يداً وأعلم من أبي بكر وعمر وعثمان وعلي الذين وصفوا لله بأنه مستو على العرش، وأن له عيناً ورجلاً وساقاً {أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة:140]، وأهل التعطيل من الجهمية هم الذين عطلوا الاسم والصفة، فيقولون: لا كريم ولا كرم، ولا سميع ولا سمع، ولا قدير ولا قدرة.
الفرقة الثانية: المعتزلة، وهم أرقى منهم منزلة، وهم الذين قالوا: إن الله سميع لكن بلا سمع، وبصير بلا بصر، وقدير بلا قدرة، وعزيز بلا عزة.
وعلى هذا فهم يعبدون عدماً ليس له ذات ولا صفات، وهؤلاء أيضاً قلبوا الحقائق وقالوا: بأن أهل السنة والجماعة الذين يثبتون لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مشبهة مجسمة كفرة؛ لأنهم أنزلوا الخالق منزلة المخلوق.
وأما القدرية فهم الذين يقولون: إن الأمر أنف، ومعنى ذلك: أن الله جل وعلا لم يعلم بالأمر حتى وقع، وأنه لا علاقة بين إرادته وإرادة العبد، فالعبد له إرادة مستقلة يفعل الفعل دون أن يتحكم الله في إرادته.
وأما أهل السنة والجماعة فقد أثبتوا للعبد مشيئة وإرادة، ولكنهم جعلوا هذه المشيئة والإرادة تحت إرادة الله ومشيئته، الله قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق كل صانع وصنعته)، فأثبتوا للعبد مشيئة لكنها تحت مشيئة الله، وأثبتوا العلم الشامل الكامل، فهو سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون.
فالقدرية لما سمعوا ذلك من أهل السنة والجماعة وهم الذين عضوا بالنواجذ على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى كتاب ربهم جل في علاه، وعلى اعتقاد وفهم السلف الصالح قالوا: هؤلاء جبرية يحرفون الكلم عن مواضعه؛ قلباً للحقائق.
وصوت هؤلاء الآن مسموع وعال، وأما أهل السنة والجماعة فهم في قلة وإلى قل، كما قال سفيان الثوري وهو يترحم على أهل السنة والجماعة: هم إلى قل -يعني: سيقلون- فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس.
وأيضاً الروافض الذين يتشيعون لـ علي وآل البيت يقولون عن أهل السنة والجماعة الذين يتقربون إلى الله بحب أبي بكر وحب عمر وعثمان وعلي والصحابة أجمعين، يقولون: هؤلاء نواصب، أي أنهم نصبوا العداء لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
بل ارتقوا فوق ذلك وقالوا: إن أهل السنة أدخلوا في الإسلام من خرج منه؛ لأنهم يعتقدون أن أبا بكر وعمر ارتدا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إنهم يقولون في يوم عاشوراء دائماً: اللهم العن صنما قريش، يقصدون بذلك أبا بكر وعمر.