إن هذه الصفة في عصورنا هذه أشد ظهوراً مما كانت قبل، إذ قبل لم يستنيروا بكتاب الله، وأما الآن فإن كتاب الله بين أظهرنا ومع ذلك فإن طمس الحقائق موجود في أهل هذا الزمان.
فهناك من يرى أن سؤال أولياء الله الصالحين الأموات؛ لتفريج الكربات، وقضاء الحاجات هو التوحيد، وإذا قيل لهم: إن هذا شرك، فلا يسأل إلا الله، ولا يعتقد في غير الله ما لا يعتقد إلا في الله، لقالوا: هذا هو الشرك بعينه.
وأكثر هؤلاء يعتقدون بالحلول والاتحاد، فما هو الدكتور زغلول النجار -عالم من علماء الجيولوجيا، وأشهر من نار على علم- سئل مرة في قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فقال: هذا تمثيل، الله في كل مكان، فهذا نص صريح من الرجل، وهو رجل بفضل الله نحسبه على خير وفضل ومع ذلك يجهل أمور العقيدة، فلابد أن يتعلمها.
فأهل الحلول والاتحاد يقولون: بأن الذي يقول: إن الله فوق العرش أنه قد كفر؛ لأنه يحد من مكان الله جل في علاه، ويقولون: من أشار بإصبعه إلى السماء فلابد أن تقطع يده، هكذا قلبوا الحقائق، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء، فقال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعتقها فإنها مؤمنة)، فشهد لها بالإيمان لما شهدت بأن ربها فوق العرش، والإنسان جبل بالفطر السليمة أنه إذا أراد أن يسأل ربه أن يرفع بصره ويديه إلى السماء، ولو كان الله في كل مكان ما فعل ذلك، وهذه الفطرة موجودة حتى في العجائز، فالمرأة العجوز التي تموت على سريرها ولا تعرف القراءة والكتابة عندما يقال لهما: أين ربك؟ تقول: في السماء فوق العرش وهؤلاء يقولون: إن الله في كل مكان، احتوشته الكلاب والخنازير، ولذلك قال قائلهم: وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه أي: كل كلام نتكلم به حتى وإن كان فاحشاً أو بذيئاً فهو كلام الله، وقال قائلهم: ما في الجبة إلا الله، يتكلم عن نفسه، ولا يفرق بينه وبين ربه جل في علاه، فعندهم أن محض التوحيد أن تذهب إلى قبر الولي الفلاني وتقول له: إن زوجتي مريضة اشفها، أو تسأله إعطاء الحاجات، أو تفريج الكربات.
فهؤلاء قلبوا الحقائق، وأرادوا طمس معالم التوحيد، وإظهار الشرك على أنه توحيد؛ ولذلك قال قائلهم: إن الله أعطى للولي قوة أن يخلق الجنين في بطن أمه، ثم يقول: لا شرك في هذه الأمة بعد اليوم!! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لن تقوم الساعة حتى تضطرب إليات نساء دوس على ذي الخلصة)؟! وذو الخصلة صنم كان يعبد من دون الله جل في علاه، فالصورة الجاهلية تظهر الآن جلياً، لكنها ظهرت بزي وبرونق آخر.